إنّ ظرفاً استثنائياً كالفيضانات والسيول التي عرفها المغرب مؤخراً والتي أودت بمجموعة من المواطنين، وخلفت خسائر ماديّة وشردت أسراً بإقليم تارودانت ونواحي سيدي احسين بإقليم خنيفرة و الحوز... هذه الفواجع الطبيعيّة تستلزم بالضرورة أداء استثنائياً وأشخاصاً استثنائيين، فالمسؤول الذي يتربع على قمة الهرم الإداري وتتبع له مؤسسات وازنة وفاعلة ومؤثرة عليه أن يطلق العنان لكل جهد قادر على تحقيق إنجاز ما يساهم في مواجهة الأزمة والحد من تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، أما أن يتصرف من يفترض أن يكون قائداً إدارياً في هذا الظرف الاستثنائي بعقلية الموظف الإداري الكلاسيكي، فإنه بسلوكه هذا يعطل أداء المؤسسات ويحد من قدرات ومبادرات القائمين عليها وبالتالي يخرجها من دائرة الفعل.‏
ليس من المبالغة في القول إذا ما قلنا: إن هناك شيئاً فائقاً للعادة قد بدأ يتغير في محيط بيئتنا الطبيعية، وذلك من خلال استقراء وجرد تلك التغيرات والتحولات الطبيعية غير المسبوقة والسرعة التي أتت بها. فالحالات المناخية الطارئة تصنف من الأحداث الجسيمة أو، على الأقل، الأزمات الطبيعية التي لا دخل للمواطن في تشكلها أو في تحديد مسارها، وبالتالي يُقاس النجاح في التعامل معها ليس بمنعها أو التحكم فيها ولكن بالقدرة على التعامل معها وتقليل الخسائر الناتجة عنها قدر الإمكان، واتخاذ كافة الاحتياطات والإجراءات الاستباقية والتوعوية لحماية الأرواح والممتلكات، ثم تقييم هذه الإجراءات بعد انتهاء الحالة، والخروج منها بدروس مستفادة.
وللأسف المأسوف على شبابه، فإنّ قصورنا يظهر واضحاً جلياً في مدى تكرار تعرضنا إلى الأزمات الطبيعية المفاجئة المتتالية والمتعاقبة واحدة تلو الأخرى وتكون هذه الأزمات تارة متنوعة وأيضاً وللأسف الشديد تكون هذه الأزمات متكررة ويكون سبب تكرار هذه الأزمات المتشابهة أو المختلفة بسبب سوء إدارتنا للأزمات الطبيعية والانتظار إلى التعامل معها وقت حدوثها وليس الاستعداد لها سلفاً والعمل على القضاء عليها وهي في أولى مراحل وجودها وذلك ظناً منا أن علم إدارة الأزمات يتم تفعيله أو الاهتمام به والاعتماد عليه فقط وقت نشأة الأزمة التي تجعلنا نهرول للبحث عن مخرج أو مهرب من هذه الأزمة.
لا ليس هذا هو الدور الأصيل لعلم إدارة الأزمات فإدارة الأزمات علم استباقي يحتاج إلى قراءة كل المتغيرات سلفاً للتعامل مع الأزمات المتوقعة والعمل على الاستعداد بالإجراءات الوقائية والاحترازية لمنعها أو للتعامل معها والقضاء عليها.
ويعرف القاموس الأزمة بأنها ظرف انتقالي يتسم بعدم التوازن ويمثل نقطة تحول تحدد في ضوئها أحداث المستقبل التي تؤدي إلى تغيير كبير. والأزمة تعني الشدة والقحط، في اللغة الصينية كلمة أزمة تنطق ( Ji-Wet) وهي كلمتان: الأولى تدل على (الخطر) والأخرى تدل على (الفرصة) التي يمكن استثمارها، وتكمن البراعة هنا في تصور إمكانية تحويل الأزمة وما تحمله من مخاطر إلى فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية! وإدارة الأزمات في أي مجتمع تعني فن إدارة توازنات القوى ورصد حركتها واتجاهاتها، والقدرة على التكيّف مع المتغيرات. وتتصف الأزمة بصفتين أساسيتين:
أولا: التهديد: إذ يشعر الأطراف فيها بأنهم لن يستطيعوا الحصول أو المحافظة على القيم والموارد.
ثانياً: ضغط الوقت: إدراك الأطراف المشاركة فيها مقدار الوقت المتاح لتقصي الحقائق واتخاذ تصرف قبل بدء حدوث أو تصعيد الخسائر.
ست سمات تميز الأزمة: المفاجأة: وتعني أنها تحدث من دون سابق إنذار، أو قرع للأجراس بل بشكل مفاجئ! نقص المعلومات: وتعني عدم توافر معلومات عن المتسبب في هذه الأزمة، (خصوصاً إذا كانت تحدث أول مرة). حالة الذعر: تسبب الأزمة حالة من الذعر فيعمد صاحب القرار إلى اتهام كل من له علاقة بوقوعها، أو يلجأ إلى التشاجر مع معاونيه. وغياب الحل الجذري السريع: هي لا تعطي مهلة أو فرصة لصاحب القرار حتى يصل إلى حل متأنٍ، بل لا بد من الاختيار بسرعة، بين عدد محدود من الحلول.
إن القرارات التي تتخذ على أي مستوى كان تحكمها عقليتان، إن لم نقل: مدرستان مدرسة تغليب المخاطر على الإيجابيات، أو تغليب الإيجابيات على المخاطر، ولا شك في أن أي قرار يتخذ له إيجابياته وسلبياته، وقد تبدو المخاطر عند من لا يمتلكون الثقة العالية بالنفس والقدرة على تحمل المسؤولية هي الأبرز والأقوى، بينما نجد أن الجوانب الإيجابية والثقة بالقدرة على الدفع بها وتجاوز السلبيات والمعترضات هي السمة التي يتحلى بها أولئك الواثقون من خياراتهم الصحيحة وقناعاتهم الراسخة بإمكانيات مؤسساتهم والعاملين فيها، عبر تحريض طاقاتهم واستنفار وقودهم الوطني والأخلاقي والمهني على إنجاح أي خيار مهما بدا صعباً وقاسياً ويحمل درجة من المجازفة والمخاطرة.‏
لذلك تؤكد كل دراسات الإدارة الحديثة على أهمية وجود إدارة للأزمات في كافة الوزارات والمديريات... مع الاعتراف بأن عالم اليوم هو عالم الأزمات لأسباب تتعلق بالتغيرات المناخية الكثيرة، التي حدثت في مجالات الحياة المتنوعة والتي أثرت على الجميع، وجعلت الأزمة هي العامل المشترك في كافة مناحي الحياة بدءا من الأفراد وحتى على مستوى الدول.
وعليه فإن الإعداد والتخطيط لما يمكن ان نواجهه في المستقبل القريب والبعيد لمختلف الظواهر الطبيعية بمختلف أنواعها لا قدر الله ، لا بد أن يأخذ في اعتباره الأبعاد التالية لإدارة الأزمات الطبيعية المستقبلية:
أولا: البعد الاستراتيجي ثم البعد الاستشرافي . فالبعد الاستراتيجي هنا يأخذ في اعتباره جميع أبعاد الظاهرة، أي إدارتها قبل أن تقع من خلال النظرة الاستباقية للحدث والتي تعنى بوضع السيناريوهات المتوقع حدوثها قبل أن تحدث ووضع الحلول الممكنة لاحتوائها.
ثم النظرة الواقعية وذلك من خلال إدارة الظاهرة الطبيعية أثناء حدوثها وبعد وقوعها، بحيث يمتد التخطيط لما بعد انتهاء الظاهرة الطبيعية، وهنا تأتي المرحلة الثانية، ونقصد: الرؤية الاستشرافية للحدث، بحيث يتم الإعداد التالي للظاهرة القادمة من خلال إعداد السيناريوهات ووضع الاحتمالات والفرضيات ومراجعة الأخطاء والسلبيات وهكذا.
ومن هنا نرى بوضوح أن حل الأزمة الطبيعية يحتاج إلى تحليل كل عناصرها وأيضاً تحديد الموارد المتاحة ومواجهة الأزمة بشكل جاد وحازم وتدوين كل مراحل التعامل مع الأزمة وتدوين كل مراحلها للاستفادة من كل الإيجابيات والسلبيات لتفاديها في المرات القادمة ولا ننظر على أن هذه الأزمة لا يمكننا التعامل معها بل نستطيع إذا أحسنا إدارتها ولا نترك للأزمة مجالا إلى أن تديرنا وتتحكم فينا وتعصف بنا

مصطفى قطبي