تلك هي شبكات التواصل الاجتماعي ومن عاش ستة عقود يلاحظ الفرق، ففي شبابنا لم نكن نجرؤ على انتقاد أداء الحكومات ونرى الإثراء غير المشروع ونبارك لصاحبه، وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي، صار كل الناس قادرين على انتقاد الحكومات بل وكشف فسادهم بالأدلة، وصارت الشعوب تتواصل وتنسق مع بعضها البعض للخروج الى الشوارع والمطالبة بسقوط الأنظمة الفاسدة أو التي لا يعنيها تطوير البلاد. كنا نسمع عن جرائم الشرف ونريد أن نقول ولا نقول خوفا من الأسرة والذكر المناوب بالتحديد، إذ كان هناك دوما "ذكر مناوب" كالأب والأخ والزوج، وفي حالة إسراء الغريب زوج الأخت، وهذا إبداع جديد تفتقت عنه عبقرية العرب، فصار زوج الأخت يدافع عن شرف أسرة أنسبائه ويقتل ابنتهم! ماذا عن زوج الخالة والعمة؟ أليس لهم نصيب في الوليمة؟

لكن في المقابل، لم يتوقع أحد خروج الناس بتظاهرات ضد هذه الجريمة النكراء. لقد تمكن المجتمع من إثارة الرأي العام على هذا التخلف الذي ينفث في الأرجاء ريحا كريهة، وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت المظاهرات تتكون من النساء، ولكن الرجال ليسوا معفيين من المشاركة، لأن الموضوع يخص المجتمع برمته، وليس النساء فقط، فتخلف المجتمع له عواقب وخيمة على الجميع وينعكس ذلك على طريقة التربية وحرية العمل والحركة والانطلاق في هذه الحياة وتحقيق الطموحات، أما إذا بقي الناس متخلفين بهذه الطريقة، فسوف يظلون في مكانهم ويخافون ويترددون ويفضلون العيش كما يقول المثل الشعبي "الحيط الحيط ويا رب الستر".

إن جرائم الشرف لا يقرها الشرع. فالاسلام اشترط لثبات الجريمة شهادة أربعة أشخاص، ومن هو الذي يزني أمام أربعة أشخاص؟ أي أنه من الناحية العملية، يستحيل تنفيذ الجلد أو الرجم. لكن موضوع الفتاة إسراء لا يتعلق بالزنا، فهي لم تفعل شيئا مشينا على الإطلاق، وإذا لم يعاقب قتلتها، فسوف نشهد جريمة شرف بشكل يومي لأن الاجتماعات في أماكن عامة كثيرة، فهل يُسمح لذوي النساء اللواتي يجتمعن مع رجال في أماكن عامة أن يقتلوهن؟ هذا تخلف لم تشهد الحياة مثله أبدا. كما أن الاسلام لم يحرم الاختلاط ولكنه حرم الخلوة، لذا كانت أعظم فريضة وهي الحج مختلطة، وهذه الفتاة التقت بالشاب في مكان عام وبرفقة أخته.

لا بد أن ينتصر الناس لبعضهم البعض وعدم انتظار الحكومات لكي تطبق القانون، وقد أحدثت شبكات الاتصال الاجتماعي ثورة ثقافية حميدة لم نكن نحلم بها، وقد أطاحت بحكام وقلبت المفاهيم وهي تغيرات ايجابية بشكل عام وتفوق السلبيات التي نجمت عنها، لقد تفوق الناشرون على اليوتيوب على القنوات الفضائية، وكل مرة ندخل للاستماع للقنوات الشهيرة مثل البي بي سي والجزيرة والعربية وسكاي نيوز وغيرها، نجد أن عدد المشاهدين لا يتجاوز الألف في أفضل الحالات، ولكن برنامج أعده شخص ما قد يجذب آلاف المشاهدين بل أن بعضها تجذب الملايين. فقد هجر الناس القنوات الفضائية وتوجهوا الى اليوتيوب، وبعضهم لجأ الى دول خارجية لكي يقول كل ما لديه وينشر على اليوتيوب دون خوف من الملاحقة.

إذا لم يعاقب قتلة اسراء الغريب، فسوف تستمر هذه الجرائم التي تجعل العربي والمسلم يخجل أن يقول "أنا عربي أو مسلم" وعلى الرجال أن يشاركوا لأن قعودهم في البيوت تعني موافقة ضمنية على الجريمة.

سهى الجندي