كلمة من الحياة تحيي الروح في الجسم والعظام وهي رميم، إنها من عزة الوالدين الى بنوتهما، عزة من الوجود، لا يعلمها الا الله، الذي أوصى في محكم كتابه على البر بالوالدين .

وهكذا كانت التربية من الوالدين في المغرب، تقوم على القيم الدينية، سلوكا ومنهجا وعلما، ومن بينها التشميت حين العطس من نفحة برد تشق الانفاس، بعد ذكر الاستغفار والحمدلة، وتفاعل القريب معها بالتشميت، وهي تواصل روحي بين الانسان من جواره 

وكما تصح من وجهة، تصح من أخرى، إذ تصح رحمة الانسان حيا من التشميت، وتصح على الوفاة من ذكرالرحمة مرة أخرى .

النشأة مع الأبوة :

خلال منتصف السنة من حياتي، تولت جدتي تربيتي بعد أن منع الحمل والدتي اتمام الرضاع، وخلالها تلقيت تربية الأجداد، لكن والدي بفضل فطنته كان يقتني من اسواق المدينة، ومن خاصة معارفه الذين كان لهم احتكاك مستقبلي من الحياة الاجتماعية، لعبا غير متاحة للعموم، كان يتولى حفظها في خزانته الخاصة من البيت لفائدة ابنه .

وحين يكون لوحده في خلوة مع نفسه، ينادي والدته أن تأتيه بإبنه لرؤيته، وخلالها يهيئ الألعاب ويتولى تقديمها واحدة بعد الأخرى الى الابن، ويعلمه كيف يتسلى بها، ويحافظ عليها، مع شيء من المحاورة والمداعبة، بعد ذلك يترك الابن يشتغل الى جانبه باللعب، بينما يتفرغ هو لمشاغله من خياطة الملابس، أو قراءة الكتاب، مع شد الانتباه والمتابعة احيانا لمجريات اللعب .

وبعد الاقتناع من اللعب والشعور بالوحدة من جانب، يأتي الرمي وتشتيت اللعب من اركان البيت، عندها يدعو الأب الى جمع اللعب من رميها وتقديمها اليه، بغية الخروج والاستراحة عند الوالدة .  

وخلال التقدم في السن كان الوالد والجدة، يقومان بإحضار أبناء العائلة من الجوار أبناء وبنات من أجل اللعب الجماعي من أطراف السكن مع ابنهما .

ذلك ما كان عليه الحال قبل سن المدرسة، حيث التربية من النظرة الاجتماعية، تختلف عن التربية من بيت الاسرة، إذ العلاقات العامة تساهم في إعداد الشخصية لحياة أخرى بالمجتمع .

ومن تم كان والدي يرى في تربيتي قبل سن الدراسة، أثر الجدة لسانيا في حواراتي المنزلية، والتي ينبغي من وجهته أن تكون مسايرة لتربية الجيل الذي ننتسب اليه، وهو ما كان يقوم على تنشئته في شخصيتي .

علاقة الوالد مع والدته :  

حين أقبلت والدتي على الحياة ببيتها من الزوجية، وجدت عائلة زوجها تختلف عن عائلتها في اللباس والعادات، والتعابير اللسانية،  وذلك ما كان يجرى عليه الحال عهد الحياة المحلية من الاختلاف في اللكنات المحلية من الجهات، بين مختلف القرى والحواضر العتيقة بالبلاد المغربية، كما هو الشأن من اختلاف لسانيات العضوية من الجامعة العربية شرقا، أو اختلاف لسانيات العضوية من المجموعة الاوربية غربا، ولشدة ما كان إعجاب الوالدة مما تقصه من حياتها، وسط تلك الاسر الجماعية والروابط القوية التي تجمعها، والكلام البليغ الذي يتداولونه من أحاديثهم البينية، التي تنم عن سمو أخلاق ورفعة أدب، من الحوار الهادئ المتعقل في محله، والمرح الجماعي من ذات المحل .

ومن طرائف الحياة التربوية التي عاشها والدي مع والدته من البيت، أنه كان في فترات من الحياة يشعر بالرتابة من العيش، وحينها يشكو الى والدته السأم مما يعاني من أجواء .

وخلال ذلك تدرك الجدة أن ابنها يعاني من ضجر في الحياة، حيث تقوم بجولة عبر أطراف السكن الجماعي، لأجل استضافة سيدات من جيلها معروفات بالمرح والفكاهة وتشخيص الأدوار الهزلية، لقضاء عشية مرحة بالبيت مع ابنها وسط أسرته .

وبالموازاة والتحضير لذلك، تطلب من زوجة الابن تهيئ الحمام للزوج يوما قبل حضور المدعوين، ويومها ترى البيت وكأنه يستعد لفرح عائلي تنشرح فيه أسارير الكبير والصغير، مما ينعش الروح البشرية، ويخفف الأثقال الجسمية عن النفس .

وبعد اليوم المرح، تغيب الكآبة، وتعود الوداعة الحية الى الجسم البشري، والنشاط اليومي الى مجراه المتجدد .

وعهد انقضاء تلك الأجواء من غياب أهلها والعارفين بها، بدأت تحل بالوالد الغضبة الشخصية، محل غياب الأوقات المريحة، وهي حالة تنغص على الجدة أيامها التي قد تستمر أسبوعا أو أكثر، إذ تقدم عند ابنها كل يوم من اوقات الوجبات مصحوبة بالوجبة تحت طائل الترغيب والتوسل لإرضاء الخاطر، تشكو اليه آلامها من جهته كي تنهي منها آلامه، عسى أن يطيع نهيها مما به، وينتهي من غضبته .

وما أدركت نهاية الغضبة الأبوية التي كانت تسكن نفسيته، الا بعد أن رحم الله والدته، حيث انتهى مرحه وغابت من حياته بعدها غضبته، حيث كانت والدته مربيته، التي تنشط حياته وتعرف ما يحل به .

وهكذا كما غاب المرح في الحياة مع الوالدين، حلت الرحمة من حياتهما بتشميتهما، ومن تربيتهما كما ربياني صغيرا .



محمد حسيكي