من مقتضيات الديمقراطية إفراز أغلبية من مجموعة أحزاب تقل أو تكثر. وبعد مخاض عسير أو يسير، بطريقة عادية أو بعملية قيصرية، يتم تشكيل حكومة.

المفروض ابتداء من لحظة تشكيلها أن توضع الخلافات كلها جانبا، وحيَّ على العمل؛ فانتظارات المواطنين لا تحتمل التأخير، فلا بد أن تتضافر جهود كل مكونات الأغلبية من أجل تلبية مطالبهم الأساسية في السكن والصحة والتعليم، وبالجملة كل ما يضمن كرامة المواطنين.

للأسف، ما نعيشه، خلال الولايتين الحكوميتين الأخيرتين بالأساس، أعتقد أنه غير مسبوق، إذ لم يتم جفاف الحبر الذي وقعوا به اتفاقهم، حتى بدأ القصف بكل أنواع الأسلحة المحرمة منها والمرخصة، وخاصة بين الحزبين عرابي هذه النسخة الحكومية (العدالة والتنمية والأحرار). الاستحقاقات المقبلة لا تزال على بعد سنوات (2021)، ومع ذلك نلاحظ حُمّتها تستعر يوما إثر يوم، بالضرب تحت الحزام وفوقه. فهل هناك أكثر من التشكيك في تمويلات أحزاب بعضهم البعض، والاتهام بالسعي إلى تخريب البلاد؟ وهل هناك أكثر من الاتهام بالغدر خلال استحقاقات تشريعية جزئية؟ وهل هناك أكثر من اتهامات باستغلال المنصب الوزاري لاستهداف أنشطة هيئات الحزب الغريم، وهلم جرا من اتهامات بين مكونات الأغلبية؟

لا يمكن أن يمر أسبوع دون أن لا تطفح نهايته بالتراشق بالاتهامات والاتهامات المضادة، تتناقلها وسائل الإعلام، خلال اجتماعات زعمائها بأذرعهم الشبابية أو النسائية أو النقابية أو هيئاتهم الحقوقية ومنتخبيهم. وضع سريالي بمعنى الكلمة. من يرى الصورة الشهيرة لزعماء الأغلبية أياديهم بعضها فوق بعض، يتوسطهم رئيس الحكومة والابتسامة العريضة ترتسم على محياهم، لا يمكن إلا أن يجزم بأنهم سمن على عسل، ولكن للأسف "السن يضحك للسن والقلب فيه خديعة". من يراهم على طاولتهم الحكومية مجتمعين بكل أطيافهم جنبا إلى جنب، يعتقد أنهم يعزفون معزوفة واحدة على إيقاع مصلحة المواطن ومشاكله المستفحلة، ولا شيء آخر مما يتعلق بمصالح الأحزاب الضيقة وبمصالح زعمائها ومنخرطيها الأقرب فالأقرب، لكن الواقع عكس ذلك تماما، "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى".

بمجرد مغادرة مقر رئاسة الحكومة، يبدأ القذف بكل الوسائل "الغاية تبرر الوسيلة"، على الرغم من محاولات رئيسها اليائسة بالتأكيد كل مرة على تماسك أغلبيته وتلاحمها، ولكن أنى للغربال أن يخفي أشعة الشمس ! فحتى الحصيلة كم من قطاع حكومي يأبى إلا أن يقدمها وزيره باعتبارها حصيلته هو وحزبه، لا حصيلة الحكومة التي هو جزء منها. فهل هناك مثيل لهذا العبث في مشهدنا السياسي؟

فكل حزب يتغنى بليلاه وينتشي بما ينجزه وزيره. خلطة عجائبية وغرائبية. الكل يعارض الكل، حتى لتجد برلمانيي الحزب الواحد يسائل وزراءه، وكأن غيرهم من سهر على وضع البرنامج الحكومي. يصعب اليوم التمييز بين الأغلبية والمعارضة، فالديمقراطية كل لا يتجزأ. المفروض أن تذوب الحساسيات الحزبية مباشرة عند تشكيل الحكومة، فيصبح همُّ الجميع هو خدمة المواطن.

أما حكومة واحدة بعدد رؤوس أحزابها، يستحيل أن تحقق قطميرا على أرض الواقع. فكم من الملفات المطلبية الوطنية تتعطل بسبب طغيان المصالح الحزبية. بدعة سنها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، غير المأسوف على رحيله، بسبب ما خلفه من كوارث مست شرائح مجتمعية مهمة (التعاقد، التقاعد، تحرير سوق المحروقات، الاقتطاعات بالجملة...)، وطبعا باستثناء المنعم عليهم ممن خصهم بـ"عفا الله عما سلف"؛ فكان بمجرد أن يتخلص من ربطة العنق، التي تلازمه طيلة أيام الأسبوع الرسمية، يتحول إلى معارض شرس يومي السبت والأحد، يوجه مدفعيته نحو الجميع: الأحزاب المشكلة لحكومته، المعارضون له، التماسيح والعفاريت.

 

بوسلهام عميمر