عبرت السيدة فريدريك فيدال وزيرة التعليم العالي الفرنسي التي زارت المغرب هذه الأيام عن افتخارها بوجود 250 اتفاقية فرنسية مع الجامعات المغربية وحدها، دون الحديث عن الاتفاقيات الأخرى التي تهم بقية أسلاك التعليم. وكل ذلك في إطار ما تسمّيه الوزيرة بـ(التعاون الثقافي والعلمي)، ونسميه نحن: التغلغل الفرنسي، بلغة واضحة بلا مساحيق تجميلية.
قالت الوزيرة وهي في حالة من التَّباهي: «أن تختار فرنسا يعني أن تكون ضمن مجتمع يحمل قيم التشارك والتميّز وأن تتواصل مع باقي العالم بفضل المعرفة والفرنكوفونية».
وضعتُ سطرًا غليظًا على الجملة الأخيرة، وضحكتُ ضحكةً كبيرة، ومضيتُ.
أما المسؤولون عندنا فقد وجدتُهم في منتهى الفرَح والانتشاء بتحقيق هذا الفتح المبين، وإنجاز هذه الصفقات التي يدرجونها هم أيضًا تحت عنوان (التبادل الثقافي والعلمي).
أسألكم: بأي شيء يتبادل المغرب مع فرنسا؟ أو بعبارة أوضح: ماذا يعطي المغرب لفرنسا مقابل هذا الكمّ الهائل من الاتفاقيات التي تعقدها معه في مجال التعليم على الخصوص؟ ستقولون: هذه مجرد مساعدة تقدمها فرنسا لبلدنا.
هل هنالك مساعدة دولية بهذا الحجم الكبير تُقدَّم منذ حوالي سبعين سنة لوجه الله؟ هل فرنسا جمعية خيرية لا ينفد عطاؤُها ولا ينضب؟ لماذا لا نقول للشعب الحقيقة كاملة، وهي أننا نقدم لفرنسا على طبق من ذهب في مقابل مساعداتها (بلغة ديبلوماسية) أو غزوها الثقافي واللغوي (بلغة الحقيقة) مئات الآلاف من عقول أبنائنا ليستَبيحوها ويحتلوها احتلالاً لغويا وثقافيّا كاملاً، ويكيّفوها على مزاجهم لصالح الفرنكفونية التي قالت الوزيرة إنها تمنح لطلابنا «المعرفة والتواصل مع كل العالم»، وهي تعلم أنها تأتي بأكبر فِرية في التاريخ؟ لماذا هذا الانغلاق التام على فرنسا كأنها الدولة الوحيدة الموجودة في العالَم التي يمكن أن نستفيد من خبراتها وتفوّقها العلمي والأكاديمي؟ الجواب نعلمه جميعا.
لفرنسا الحق في أن تعتبر ما نقدمه لها مساعدة تقنية. ولنا الحق في أن نعتبر ما تقدمه لنا غزوا لغويا وثقافيا.

 د. عبد العلي الودغيري