فلسطين «ليست للبيع» عبارة صدح بها مانديلا مانديلا، حفيد الزعيم والمناضل الجنوب افريقي الراحل نيلسون مانديلا، من قلب جنيف السويسرية، عبارة رددها من قبله ملايين الفلسطينيين في الداخل، وفي والشتات، لعل وعسى أن يسمعها أصحاب «ورشة البحرين» و»صفقة القرن» ومن لف لفهم، مع أنني والله لا أظنهم يستوعبون معناها، حتى إن سمعوها، فجل تفكيرهم أن كل شيء معروض للبيع حتى الوطن والعرض والتاريخ.
ومع ذلك فهذه رسالة إلى القادة العرب، لاسيما الخليجيون منهم، الذين سارعوا، بأمر من الراعي الأمريكي إلى المشاركة في مؤتمرات، بل نظموا مؤتمرات أخرى في محاولات لإغراء الفلسطينيين بعروض مالية، ظنوا خطأ أنه سيسيل لها اللعاب، محاولات كشفوا فيها عن جهلهم بالشعب الفلسطيني وقدراته وطاقاته، وصموده وإصراره وتضحياته، وتمسكه بقضيته ووطنه على مدى أكثر من قرن. رسالة إلى القادة المفروضين على شعوبهم، ولا يتورعون عن بيع فلسطين لا بخسارة فحسب، بل وتسديد أقساط الاحتلال بأموالهم. رسالة إلى القادة العاجزين، مفادها إذا اردتم البيع فبيعوا أراضيكم، إن بقي منها شيء لم يبع بعد، ولم يؤجر للأمريكيين أو الإسرائيليين. وإذا صممتم على البيع فعلى الأقل بيعوا بثمن عال، نعرف أنكم لستم بحاجة للمال ولديكم وفرة من أموال النفط، ولكنكم ترفعون شأنكم برفع أثمانكم.
يا ايها القادة لقد قلبتم بافعالكم مفاهيم البيع والشراء، وتطوعتم بدفع الأثمان في البيع والشراء، مقابل الحصول على رضى البيت الأبيض وتل ابيب.
يا ايها السادة ما تحاولون فعله بفلسطين ليس تجارة خاسرة فقط، بل خيانة. نصيحة لكم إرفعوا أيديكم عن فلسطين وشعبها، الذي نبشركم بأن عدده في العالم بلغ 13 مليون نسمة معظمه من الشباب والفتية، وهؤلاء هم من سينتقمون ممن خانهم، وحاول التلاعب بقضيتهم، فاتركوا الفلسطينيين بحالهم يديرون شؤون قضيتهم، كما يرون ذلك مناسبا. والشيء المؤكد أن إدارتهم ستكون أفضل من إدارتكم لأموالكم وبلدانكم. فلا دخل لكم بالفلسطينيين بعد اليوم. الفلسطينيون يقولون إنهم لن يتدخلوا بالشؤون الداخلية للدول الاخرى، ولا يسمحوا بتدخل الآخرين بشؤونهم، وإذا ما امعنتم في غيكم فانه لا بد مرتد إلى نحوركم.
يدعو مانديلا الحفيد إلى عدم الاعتراف بمن يشرعن الاحتلال، وهي دعوة تعملون بعكسها عن سابق إصرار وترصد، من خلال مؤامراتكم ومؤتمراتكم التطبيعية مع دولة الاحتلال، تحت عنوان مساعدة «الاشقاء الفلسطينيين»، كلمات فارغة المعنى والمضمون. فلا أنتم أشقاؤنا ولا نحن من أشقائكم، لا أنتم من «طينتنا ولا نحن من طينتكم»، والدماء التي تجري في عروقكم غير الدماء التي تجري في عروقنا، وبالتأكيد غير الدماء التي سالت من شهدائنا وجرحانا.

أخذت، والحديث موجه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مع بداية الحديث عن صفقة القرن، وهي بالأساس خطة وضع بنودها وصاغها نتنياهو، خطة قائمة على الحل الاقتصادي، هدفها كما هو معروف التحايل على مبادرة السلام العربية. خطة حملها معه جاريد كوشنر إلى الرياض في أكتوبر 2017 وبصمتم عليها، أخذت على عاتقك اقناع الرئيس الفلسطيني بالقبول بها، وحاولت إغراءه بعشرة مليارات من الدولارات لاستثمارها في تطوير (نفسه) والضفة الغربية وقطاع غزة، ورفض أبو مازن ومن ورائه الشعب الفلسطيني برمته، علكم تتراجعون عما يدور في رؤوسكم من مؤامرات، وقال الفلسطينيون لكم بصوت واحد، إن فلسطين ليست للبيع ليس بالمليارات وليس بأموال نفطكم مجتمعة، وأكثر من ذلك ليس للبيع بأموال الدنيا كلها.
وفشل كوشنر الضلع الرئيسي في الثالوث الصهيوني المسؤول عن ملف الشرق الاوسط، في استيعاب هذا الشعار، ظنا منه أنه مجرد محاولة فلسطينية لرفع السعر، فرفع العرض من10 مليارات إلى 25 مليار دولار، في إطار عرض يشمل 60 مليار دولار يغري فيه الدول المجاورة الحاضنة للاجئين الفلسطينيين (الأردن ولبنان ومصر مستثنيا سوريا). وفشل كوشنر في جمع المال اللازم في مؤتمر وارسو، وخرج منه بخفي حنين لمجرد مقاطعة الفلسطينيين له. ولم يتعلم درسا، فتفتق ذهنه وذهن صديقه وزير خارجية البحرين، بدفع من بن سلمان، عما سمي بـ»ورشة البحرين الاقتصادية» التي وصفت بالجزء الأول من مسلسل «صفقة القرن»، وأفشلت هي الاخرى بفعل مقاطعة الفلسطينيين. واعترف بفشلها ضمنا كوشنر نفسه ويحاول الآن أن يغازل الرئيس الفلسطيني، ويدغدغ مشاعره بالإطراء عليه، والحديث عن اعجاب ترامب به، واستعداده لإشراكه في عملية السلام، وكأنه يتمنن عليه بها، لكن الشيء الجميل أننا لم نعد نسمع صوت الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، ونتمنى ألا نسمعه أبدا.
لم يكتف الفلسطينيون بالشعارات والرد السلبي على عروض صفقة البحرين فحسب، فتقدم ناشطون بعرض مضاد أكثر سخاء، ردا على الرئيس ترامب، الذي يعتقد كما يعتقد «أشقاؤنا» في الخليج أن كل شيء يمكن أن يباع ويشترى بالمال، حتى العرض والحق والوطن والهوية والتضحيات، التي لا اعتقد أنهم يستوعبون معناها فلا ضحوا يوما ولا ناضلوا من أجل قضية، إذ جيء بهم وفرضوا فرضا. وأبدى الناشطون في رسالة مفتوحة، استعدادا بدفع 100 مليار دولار مقابل ترحيل الإسرائيليين من فلسطين المحتلة إلى الولايات المتحدة وتوطينهم هناك. طبعا هذا العرض هو من باب السخرية من العرض الأمريكي/الخليجي رغم استعداد الفلسطينيين حقا لدفعه لو يوافق الامريكيون. ولتسديد هذا المبلغ سيتكفل كل فلسطيني بدفع 7.7 دولار شهريا لمدة عشر سنوات، المدة المتفق عليها لإنفاق الـ25 مليار دولار، أي مليارين ونصف المليار سنويا، تصوروا الرخص! وتقول الرسالة «لذا فإننا سنأخذ على أنفسنا عهدا بأن نتوقف عن التدخين كل يوم جمعة من كل أسبوع ولمدة عشر سنوات للوفاء بتسديد المبلغ، ننتظر رد سيادتكم، عنوان الشعب الفلسطيني معروف لديكم».
وكتب ناشط موجها حديثه للرئيس الأمريكي «فكر بسرعة يا ترامب، وعنواننا معروف.. محفور على الحجر.. على الصبر والشجر.. على مآذن القدس على أجراس الكنائس، على فوهة المقالع والبنادق، وإن كنت أعمى لا ترى، فرائحة المسك التي تفوح من شهدائنا سترشدك إلى طريقنا».
وأعتبر هذا المقترح أفضل رد شعبي عربي على صفقة القرن المرفوضة، وقال ناشط إن هذه رسالة للعرب قبل الغرب مفادها، أن من يوافق على صفقة القرن، فإنما باع فلسطين بثمن باكيت سجائر كل أسبوع. وأخيرا وردا على المشككين ننقل عن باحثي آثار في إسرائيل إنهم حددوا موقع بلدة فلسطينية قديمة ورد ذكرها في التوراة، حيث أعطيت للملك داود بعدما طلب اللجوء إليها هربا من شاؤول ملك إسرائيل. وعثر الباحثون هناك على اكتشافات نموذجية للحضارة الفلسطينية بينها، أوان فخارية تربط الموقع الحالي بعهد الملك داود. وتقع البلدة المكتشفة واسمها «تسيكلاج» قرب مدينة «غات» إحدى المدن الفلسطينية القديمة الخمس في جنوب فلسطين، وكان يحكمها ملك فلسطيني. وتعرف البلدة اليوم باسم «خربة الراي» قرب مدينة كريات غات الإسرائيلية جنوبا، وهذه المدينة الإسرائيلية تحمل اسم مدينة غات الفلسطينية..
والشيء بالشيء يذكر فإن دولة الاحتلال، وكجزء من مخططها لإثبات الادعاء اليهودي بفلسطين، تقيم مدنا أو قرى قرب المدن الفلسطينية تحمل تقريبا الأسماء نفسها مع صبغة عبرية، على سبيل المثال لا الحصر تقيم مستوطنة كدوميم قرب بلدة كفر قدوم شمال الضفة وعناب جنب مدينة عنبتا.
وأختتم بالقول، إنه ومن أجل ضرب وحدة الصف الفلسطيني في رفض «ورشة البحرين» وما يسمى «صفقة القرن»، يسرب الأمريكيون عبر الصحف الإسرائيلية اليمينية أكاذيب مفادها أن القيادة الفلسطينية في رام الله رضخت للضغوط الأمريكية وستزاول الاتصالات بالادارة الامريكية، ونفت السلطة كما توقعنا، على لسان الناطق باسم الرئاسة نبيل ابو ردينة، مؤكدا قوة الموقف الفلسطيني والتزامه بالثوابت الوطنية، ورفض ما وصفه بمحاولات التضليل والتصريحات المرفوضة الصادرة عن عدد من المسؤولين الأمريكيين. فشلتم وفشلت كل مؤامراتكم، وستفشلون لأن الشعب الفلسطيني باق وانتم المندثرون.

 علي الصالح