يسهل أن نتأمل وجوه المواطنين هذه الأيام، وعيونهم مشرئبة إلى شاشة التلفاز، يتابعون منتخبنا الوطني لكرة القدم، وكلهم أمل في تحقيق الانتصار والظفر بفرح عزيز. لست أدري إن كان أهل الشأن والرياسة في بلادنا يقدرون هذا الإحساس الجميل والوطني، ويتوقفون قليلا ليتأملوا ملامح المواطنين والمواطنات، ويقرؤوا بمسؤولية هذا الشوق الكبير في محياهم، وهذه الرغبة العارمة في تحقيق الغلبة والفرح بالانتصار، ولو في مقابلة لكرة القدم.

إنهم المغاربة يا سادة، هكذا هم، شعب بسيط وعميق، يحب الفرح لأنه يؤمن به ويعتقد أنه يستحقه، ولذلك ينسى الخيبات سريعا ويتجاوزها بصبر عجيب. جميل أن يكون لدينا منتخب يمثلنا في المحافل الدولية، ونسعد به ومعه، فهذا حقنا وجزء من مطامحنا الكثيرة والكبيرة، ذلك أن الانتصار أكبر وأعمق وأشمل من مجرد مقابلة في كرة القدم، فما الرياضة إلا صورة من صور نهضة الأمم ومظهر من مظاهره التي تحتاج كلها إلى العناية اللازمة والعمل الجاد والمسؤول.

لقد توقف مسار منتخبنا الوطني في كأس افريقيا عند مرحلة الثمن، وتكرر هذا معنا كثيرا، وسيكثر الحديث كما العادة، وتتعدد التفسيرات والتأويلات، وستوزع التهم والأحكام الجاهزة، وطبعا لكل إخفاق أسبابه الذاتية والموضوعية، الجزئية والكلية، الظاهرة والخفية، ولكن المؤكد أن تلك الأسباب في عمومها هي نفسها بالضبط في كل مجالاتنا التي نخفق فيها ولا نريد أن ننتصر، في التعليم، في الصحة، في النظافة وتدبير النفايات، في الشغل، في التربية، في محاربة الفساد، في الاغتناء غير المشروع.

إنها الأسباب الرئيسة نفسها، حتى إننا لنحفظها لكثرة تردادها، بل إن مسؤولينا أيضا يشتكون منها ويرددونها مثلنا وأكثر، حتى أصبحنا نتساءل مستغربين، من يتحدث مع من؟ ومن يشكو لمن؟ سوء التسيير والتدبير، غياب الحكامة، طغيان الحسابات السياسوية الضيقة، تراجع الوازع الوطني، غياب المحاسبة، وهلم جرا، هذا بالضبط هو الكلام الذي سيقال في حق وزارة الشباب والرياضة، والجامعة المغربية لكرة القدم، مع بعض التفاصيل والهوامش، وسيتجه الكثيرون إلى البحث عن مشاجب لتعليق الإخفاقات، كما العادة، وهذه بعضها: حالة الطقس، توقيت المباريات، تعب بعض اللاعبين، سوء التحكيم، وأخيرا سوء الحظ، وهلم أسباب.

لنكن صرحاء، إن الرياضة جزء من كل، ومجال من المجالات التي تفتقر عندنا كلها أو جلها إلى الكثير الكثير من مقومات النهوض ومرتكزات القوة والمناعة، وما لم نقبل على معالجة أعطابنا كلها، واحدا واحدا، بالصدق المطلوب والوطنية اللازمة، فإننا سنظل هكذا نراكم الخيبات في كل المجالات الحيوية والأساسية، ونمني النفس بنصر يتيم في مقابلة لكرة القدم.

إن الحاجة ماسة إلى تحقيق الانتصار في معاركنا الكبرى، وعلى أعطابنا الحقيقية، وهذا ما ينتظره ويريده المغاربة، وبعدها سيأتي النصر في الرياضة تباعا.

 

ابراهيم أقنسوس