سيداتي سادتي، إننا ننحدر بثبات نحو المجهول في ما يخص ملف الاقتصاد الوطني الذي لا يضمن انتعاشه سوى القطاع الخاص المنتج الجاد الذي مازال يقاوم ويبذل مجهودات جبارة في خضم ظروف اقتصادية صعبة على الصعيدين الوطني والدولي.

ولكن، إذا أصبح المستخدمون في القطاع الخاص لا يفكرون سوى في قضاء فترة زمنية معينة في الشركات قبل افتعال مشاكل جمة لمشغليهم من أجل تركيب ملفات شغل وإدراجها في المحاكم للحصول على تعويضات خيالية لا مبرر لها سوى "عقلية الكسل الماكر" التي أضحت تنتشر كالنار في الهشيم، والتي تتلخص في وجوب التربص بالمشغلين الذين أضحوا هدفا لبعض "الوسطاء" الذين بدورهم يضمنون لبعض المستخدمين في الشركات ملايين غير مستحقة وبلا مجهود مقابل تكليفهم برفع دعاوى قضائية ضد المشغلين الجادين بإعمال كثير من المكر وكم هائل من الخداع والخديعة، فإنه لا بد من مراجعة قانون الشغل الذي أدى إلى انتشار "عقلية الكسل الماكر" لدى فئة من المستخدمين بمجرد حصولهم على شيء من الأقدمية داخل الشركات، مما يتسبب في أضرار جسيمة لهذه الأخيرة، أضرار وخيمة ليست أبدا في مصلحة الاقتصاد الوطني.

فأن يكون مشغل ما، مثلا، يعاني من كساد شركته لسنين ومع ذلك يضمن أجور مستخدميه وجميع مستحقاتهم القانونية احتراما لقانون شغل لا يرحم رب العمل، وأن تأتي فجأة فرصة للمشغل للخروج من الكساد والأزمة عبر مباراة للحصول على مشروع بشروط صارمة، فيستغل المستخدم، أو بضعة مستخدمين، الفرصة للضغط على مشغلهم، بشتى الوسائل الماكرة، مثلا، تجاه الحصول على "تسريحة مريحة مفتعلة" تضمن لهم الاستحواذ على "التعويضات القانونية"، فتلك مصيبة لا يعالجها قانون الشغل كما لا تتجاوب معها المحاكم، ولو أن في هذه الحالة الطرف الضعيف هو رب العمل.

وأن تعمل مستخدمة في شركة، مثلا، مستفيدة من كامل الحقوق التي يفرضها قانون الشغل، ومستفيدة من فترات راحة في العمل نتيجة كساد طويل يتكبده وحده مشغلها الذي يضمن لها أجرتها مهما كانت الظروف المادية المزرية لشركته، ورغم الأزمة الاقتصادية العامة، فتقدم بمحض إرادتها استقالتها كتابة لمشغلها، دون سابق إنذار، مع تصحيح إمضائها لدى السلطات المحلية المختصة، وتذهب إلى حال سبيلها، قبل أن تقيم فجأة على مشغلها دعوى قضائية، دون علمه أو تبليغه تبليغا سليما، بموجب طرد تعسفي وهمي خيالي، بمناسبة 8 ماي أو عيد المرأة المجيد، مثلا، مدعية الضغط عليها من أجل الاستقالة، في حين إنها، مثلا، كانت قد أعفيت من جميع الأعمال التي من شأنها أن تجلب لها بعضا من التعب، رغم كونها أعمالا تدخل في صلب اختصاصها، مثلا، بالإضافة إلى استفادتها من جميع حقوقها إبان فترة حملها وفترة الرضاعة، مثلا؛

وأن تتم الاستجابة، رغم كل ذلك، ببساطة عجيبة وبسرعة فائقة وباستخفاف مريب، مثلا، ودون أدنى مساءلة، لجميع طلباتها التي تروم استحواذها على ملايين مهولة غير مستحقة كافية للتسبب في إفلاس شركة مشغلها ظلما، فهذا ما يعتبر في الحقيقة ومنطقيا قضاء على التشغيل والشغل والاقتصاد الوطني برمته تماما ونهائيا وفي أجل منظور لا قدر الله.

وهلم جرا من الأمثلة أو الوقائع التي لا تبشر بالخير والعياذ بالله، بل تنذر بقرب الكساد الأعظم الشامل، وتنذر بمزيد من إغلاق المعامل والمكاتب والشركات، وبمزيد من هجرة الأدمغة الخبيرة الجادة التي يرتكز عليها الاقتصاد الوطني.

سيداتي سادتي، قانون الشغل، كما بعض المساطر القضائية، أصبح متجاوزا لأنه لم يعد يواكب عقلية إنسان اليوم عندنا.

سيداتي سادتي، إنما الحق حق ولو كان لصالح رب العمل الجاد الذي مازال يقاوم، بصفة عامة، من أجل الاستمرار في توفير الشغل...

 

يونس فنيش