ظاهرة آخذة في التغول

لقد أصبح أمرا مستعصيا ، ومن قبيل المغامرة ، عبور شارع أو قيادة سيارة في قلب مدننا ؛ والتي أضحت شرايينها تزداد اختناقا يوما بعد آخر ؛ بفعل التضخم السكاني والترامي على الفضاءات العمومية من قبل الباعة المتجولين الذين أصبحوا يهددون وتيرة حركة السير ، ويسيؤون إلى معالم المدينة .

مع توالي الحكومات وحتى الآن لم يتم إعارة اهتمام يذكر لظاهرة "الفراشا" ، إذا استثنينا "الحملات الموسمية أو الطارئة" ، ويتعلق الأمر ؛ في عمقه ؛ بالهجرة القروية وآفة التضخم السكاني داخل المدن من جهة ، وتكاثر الباعة المتجولين واحتلالهم لقارعة الطرق والممرات الحيوية من جهة ثانية .

تجميع الشتات القروي في "قرى نموذجية"

يلاحظ خلال خمسة عقود الأخيرة أن تعداد الساكنة الحضرية (بالمدن الكبرى خاصة) يزداد بنسب مئوية مهولة ، مقارنة مع نسب الساكنة القروية التي أخذت تتناقص بنسبة هندسية تتأرجح بين 29% و33% . ويتوقع خبراء الديموغرافيا Demographers أن المغرب مقبل ـ إن لم يكن دخل فعلا هذه المرحلة ـ إذا استمرت وتيرة الهجرة على حالها ، على انفجار ديموغرافي كارثي سيهدد لا محالة مستقبل المدن ويحولها إلى أرياف وغوتوهات ضيقة بلا هوية .

ولعل من أوجه عوامل الهجرة وأبرزها انتفاء المرافق الاجتماعية الضرورية والتشتت القروي ، فضلا عن ضآلة فرص الشغل . لذا ؛ ورغبة في الحد من مضاعفات هذه الآفة ؛ يصبح لزاما على الحكومة جعل نصب أعينها ؛ ضمن سياسة المدينة وتنظيم السكان ؛ إعادة النظر في سياستها القروية والعمل على "تقريب المواطن القروي" من المرافق الاجتماعية الحيوية ؛ من صحة وتعليم وتقاضي وإدارة ... كما يصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى الأخذ بتجربة "تجميع القرى" لفك العزلة القروية على مداشر وفخذات قروية سكنية مشتتة ، في أفق تجميعها ضمن "قرى نموذجية" مجهزة بالمرافق الضرورية ووفقا لمواصفات حديثة .

استحداث أكشاك وأسواق محلية

من السياسات الهوجاء التي دأبت على نهجها العديد من الحكومات المتوالية اللجوء إلى "الحملة" كإجراء وقائي "ومطهر" ، وآلية للتعامل مع كل ظواهر الخلل وسوء التدبير ؛ تعلق الأمر بحملة ضد الممنوعات أو الأسعار أو التدليس ... وهو إجراء طارئ لا يتجاوز سريانه "سبع أيام الباكور" ، إذ سرعان ما تعود المياه الضحلة إلى مجاريها .

فالحملات التي تستهدف الفراشا ؛ حتى ولو جرت بأساليب قمعية واستفزازية أحيانا كمصادرة سلع الباعة المتجولين أو العبث بها أمام مشهد أعين المارة ؛ لا تمكث طويلا ولا يلبث الفراشا أن يستعيدوا مواقعهم بتوجس وترصد أعين "المخزن" .

فكان حريا بالسلطات المحلية أن تضع حدا نهائيا لهذه الظاهرة بإنشاء أكشاك أو أسواق محلية منظمة وعن قرب ؛ يخضع امتلاكها أو استئجارها لرسوم مالية متوسطة وبامتيازات تفضيلية .. بدلا من الترامي على الفضاءات العمومية واستخدامها أرضية لعرض السلع ، مع ما يصاحب ذلك من إعاقة السير العام واختناق حركة المرور ، وتلويث الشوارع بالنفايات الصلبة .



عبد اللطيف مجدوب