وتجدر الإشارة إلى أن الإقطاعية الدينية شبيهة بالإقطاعية العقارية والقيادية من حيث انطوائها على الظلم واستغلال الفلاحين، ففي الأراضي التي كانت بحوزة رجال الدين كان الفلاح يعمل تحت إشراف المقدم الذي كان يمثل الشريف أو رئيس الزاوية الدينية.

وكان المقدم يمد الفلاح بالبذور ويشرف على عملية توزيع المحصول، وعلى الفلاح أن يخضع للالتزامات المفروضة عليه مثل اقتطاع جزء من المحصول لحساب الشريف بوصفه ريعا عقاريا.

والارتباط الدائم بالأرض، وعدم السماح للفلاح بمغادرتها بإرادته للعمل في مكان آخر، ودفع الضرائب الدينية كالعشور والزكاة وغير ذلك، والإسهام في الهدية التي كانت تقدم للسلطان.

والقيام بأعمال السخرة الخاصة بالشيخ من حراثة وحصاد وخدمة منزلية وغيرها، والسخرة العامة والخاصة بالمخزن مثل شق الطرقات، وبناء الجسور وتصليح القنوات وغيرها.

وهذا بالإضافة إلى دفع الغرامة للتعويض عن الأضرار التي تلحق بالممتلكات العامة والخاصة.

وهكذا نلاحظ أن علاقة الفلاحين بالإقطاعيين الدينيين لم تكن علاقة حرة، بل علاقة قنانه، وتبعية شخصية وخضوع للقهر الاقتصادي والاجتماعي، والملاحظ

أن التحالف بين الدولة والإقطاعيين لاستغلال الفلاحين كان من سمات بلاد المخزن، حيث أدت علاقات الإنتاج الإقطاعية وحجم الريوع المقتطعة منها إلى تخلف القطاع الزراعي، وعرقلت بالتالي تطور الفلاح وسعادته، ورمت به في مهاوي الفاقة والجوع.

الفلاحون الفقراء:

شكل الفلاحون السواد الأعظم من سكان البادية في بلاد المخزن، ويرتبطون بعضهم ببعض بعلاقات وروابط إنتاجية واجتماعية واحدة، ومراكزهم الاجتماعية والاقتصادية متقاربة، وكان مركز الفلاح في تلك الفترة يماثل مركز القن في نظام الإقطاع الأوروبي في القرون الوسطى.

وتجدر الإشارة إلى أن الأعباء الضريبية التي أرهقت كاهل هؤلاء الفلاحين قد حدت من تطورهم وارتفاع وعيهم وثقافتهم، وكان مستوى دخلهم منخفضا إلى درجة رهيبة حيث لم يكن بإمكانهم تجديد قوة عملهم إلى المستوى الضروري من أجل العمل بنشاط في الأرض وإنتاج الخيرات المادية.

وكان عمل الفلاحين ينقسم إلى قسمين: عمل ضروري لازم لمعيشتهم ومعيشة أسرهم، وعمل إضافي بوصفهم رباعيين أو خماسيين عند الإقطاعيين.

ومع أن الفلاحين كانوا متقاربين في مستويات معيشتهم، ومتشابهين في وسائل عملهم وفي أنماط سلوكهم وعاداتهم وقيمهم، لم يشكلوا طبقة اجتماعية متميزة بل شكلوا فئة اجتماعية وذلك لانعدام الوعي الطبقي عندهم ولتفرقهم وعزلتهم التي حالت دون تنظيمهم السياسي والإيديولوجي الذي يعتبر شرط وجودهم بوصفهم طبقة متميزة.

المحور الثالث: اقتصاد الريع خلال فترة الحماية

وقعت معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 بين السلطان عبد الحفيظ وفرنسا، كما وقعت في نونبر 1912 معاهدة فرنسية إسبانية ألحقت بمقتضاها بإسبانيا مناطق نفوذها السابقة في شمالي المغرب وجنوبه تنفيذا لمعاهدة 1904 الأنغلوا فرنسية.

وهكذا أصبح المغرب فعليا منذ هذا التاريخ تحت السيطرتين الفرنسية والإسبانية معا.

ومعلوم أن هذا الاستعمار وإن كان قد حدث نتيجة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب إلا أنه ارتبط أيضا بتسابق القوى الإمبريالية القديمة (إسبانيا، فرنسا، بريطانيا ...) لاقتسام العالم وجعل المستعمرات مرتكزا لحل أزمتها الداخلية وتطوير اقتصادها الرأسمالي..... يتبع



 دغوغي عمر