يعني النقد الذاتي إعادة قراءة المسارات المعتمدة، ومراجعة الاختيارات النظرية والتدبيرية، والنظر في المرجعيات السياسية، ووضع التجارب على محك التحليل الرصين، والدراسة المتأنية بغاية استلهام الدرس وعدم تكرار الأخطاء. وكلما كانت عملية النقد الذاتي أصيلة، ومتحررة، وصادقة، وأقرب إلى الاستقلالية في الرأي والتفسير، كلما كان ذلك أفيد لقضايا البلد، وأنفع لمستقبله؛ أما حين ينحرف النقد الذاتي عن مساره الوطني والنضالي، ويبتعد عن مراميه العلمية، فإنه يتحول إلى مجرد ثرثرة على الضفاف، ضفاف المؤسسات والمشاريع والأفكار. والنتيجة هي ما تعيشه تجاربنا باستمرار، إعادة إنتاج نفس الوقائع والأشكال التدبيرية، بنفس الرؤى والتبريرات، ليس إلا، ومعنا ثلاثة أمثلة دالة، تحكي تجارب ثلاث حكومات، (للأساتذة: عبد الرحمان اليوسفي، عبد الإله بنكيران، سعد الدين العثماني)، كلها أثارت وتثير كلاما كثيرا، وصراعات غير مفيدة، في أغلبها، فنحن إلى حدود الساعة، لا نمتلك قراءة نقدية، واضحة ودقيقة، وموضوعية، بعيدة عن كل شوفينية أو عدمية، قامت بها الأحزاب التي قادت هذه التجارب، ومازلنا ننتظر الأجوبة عن جملة من الأسئلة الكبرى والمركزية، تتعلق بها ورهاناتها السياسية والتدبيرية.. لماذا فشلت هذه الحكومات؟ وأين فشلت بالضبط؟ ومن وما الذي أفشلها؟ ذاتيا وموضوعيا، لماذا لم يتمكن المناضل الفذ الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي من إنجاز مهمته بالشكل الذي يرضيه ويرضي المغاربة؟ ولماذا لم يتحدث عن ذلك بما يفيد، ويوضح، ويدفع إلى الأمام؟.

لا نملك جوابا، عدا خطاب بروكسيل، وعبارة جيوب المقاومة، ودفاع الحزب ومناضليه، وهذا ليس نقدا ذاتيا. نفس العينة من الأسئلة نطرحها بصدد تجربة الأستاذ بنكيران، لماذا اختار الدفاع بطريقته عن حصيلته التدبيرية، في وقت يعبر واقع البلد عن غير ذلك تماما؟ لماذا لم يتمكن هو الآخر من إنجاز ما وعد به المغاربة؟ لا نملك مرة أخرى جوابا دقيقا وواضحا، عدا عبارة العفاريت والتماسيح، وبعض الأشكال الفرجوية في الرد على الخصوم والمنافسين، ليظل السؤال الكبير عالقا، (لماذا؟).

النقد الذاتي عملية إنصات عميقة، تحتاج إليها الكيانات السياسية، لاسيما بعد الانتهاء من تجربة تدبيرية معينة، ويجب أن تشمل كل عناصر التجربة، بدءا من الأطروحة الفكرية، والخطاب السياسي المعتمد، مرورا بأسلوب ومنطق بناء الحزب، والعينات المنضوية فيه، ومسألة اختيار الأحلاف، وانتهاء بعملية المشاركة في الانتخابات، ثم في التدبير والتسيير. وحتى تكون لعملية النقد قوتها ونجاعتها، يجب طرح كل الأسئلة الأساسية والجوهرية، عند كل محور محور، ونقطة نقطة، (الأطروحة الفكرية والسياسية / بناء مؤسسة الحزب / مسألة العضوية / التحالفات / الانتخابات / ثم مسألة التدبير).

إن غياب النقد الذاتي بمواصفاته المعتبرة، للمنجز النظري والتدبيري لأحزابنا السياسية، يمثل مشكلة حقيقية، لأنه يعني انتظار نفس النتائج، بنفس التدابير، لنفس التجارب، في أحسن الأحوال.

 

ابراهيم أقنسوس