لقد تم وضع هذا الميثاق بهدف استيفاء حقوق المواطنة والارتقاء بمستواها، وهو يشتمل على مجموعة من حقوق المواطنة سواء ما تم تحديده في مصادر النظام الحقوقي المغربي، أو ما ستبذله الدولة من مجهودات جادة لغرض تحقيقه وتوفيره وتحققه الفعلي وتطبيقه، كما أن تحقيق هذا الميثاق لغاياته، يتطلب تعاون سائر السلطات والأجهزة ومشاركة جميع المواطنات والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات.

أولا: مفهوم وأبعاد المواطنة

عرفت المواطنة بأنها: "علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق، والمواطنة تدل ضمناً على مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات، وهي على وجه العموم تسبغ على المواطنة حقوقاً سياسية". وتعرف بأنها الارتباط الاجتماعي والقانوني بين الأفراد، الذي يلتزم بموجبه الفرد اجتماعياً وقانونياً بالجمع بين الفردية والديمقراطية، ويكون الفرد مواطناً إذا ما التزم باحترام القانون واتباع القواعد ودفع الضرائب والمحافظة على أموال الدولة وأداء الخدمة العسكرية والإسهام في نهضة المجتمع المحلي وتحسين نوعية الحياة السياسية والمدنية للدولة. كما تعرف المواطنة على أنها تمثل وضعية أو مكانة الفرد في المجتمع باعتباره مواطناً، وبما يستتبع ذلك من تمتعه بمجموعة من الحقوق، والواجبات، والهويات التي تربط المواطنين بالدولة القومية التابعين لها.

فإذا كان دستور أي أمة ينبثق من نظامها العام، والنظام العام هو مجموع الأهداف العليا لأي مجتمع، وهذه الأهداف العليا تنبع من مجموعة العقائد والقيم السائدة في المجتمع، فقد لا يعبر الدستور عن الأهداف الاجتماعية المشتركة في لحظة تاريخية بعينها، أو قد تنحرف الأهداف الاجتماعية عن بنيتها القيمية والعقائدية، ومن أجل ذلك لزم أن تكون هناك أجهزة رصد لضبط الدستور على الأهداف الاجتماعية وضبط الأحداث الاجتماعية على العقائد والقيم، ثم التبشير بذلك اجتماعيا حتى يدخل أكبر قدر من الناس في النظام العام أو الكلمة السواء. وبالتالي فالمواطنة هي أن تحقق الصياغة الدستورية أعظم قدر من التعبير عن الأهداف المجتمعة المشتركة والسائدة بين الأغلبية العظمى لأفراد المجتمع.

كما يتجلى البعد السياسي للمواطنة في مدى إحساس لفرد بانتمائه إلى الوطن كجسم سياسي يتمثل في مؤسسات الدولة والأحزاب والنقابات والجمعيات، وأفكار حول الشأن العام والمجال العمومي والأفكار التي تتبلور لدى الفرد حول هذا الجسم ومدى سعي الفرد للتأثر فيه عن طريق الولاء أو المعارضة للنظام أو الخوف منه والابتعاد عنه أو الثورة عليه.

وقد خص دستور 2011 المواطن المغربي بمجموعة من الحقوق من بينها المساواة في الحقوق: " يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية..."، الفصل 19 من الدستور. زيادة على عدم التميز في الحقوق: "حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان" تصدير الدستور. والحق في الحياة: " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق"، الفصل 20 من الدستور. والحق في السلامة الشخصية: "لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه"، الفصل 21 من الدستور. والحق في عدم التعرض للتعذيب أو غير من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية: "لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون"، الفصل 22 من الدستور...

ثانيا: المتدخلون في ترسيخ قيم المواطنة

تشكل الأسرة اللبنة الأولى والدعامة الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات، وهي البوتقة التي ينشأ فيها الفرد ويتربى في أحضانها ويتغدى من بيئتها. وتشكل الأسرة غذاءً للفرد باعتبارها مصدراً للقيم والمبادئ والعادات والتقاليد التي يتغدى منها الفرد منذ ولادته الى حين وصوله سن البلوغ والاحتكاك مع المحيط الخارجي من مدرسة وشارع وفضاءات عمومية ومجتمع بشكل عام.

كلها أساسيات تجعل من الأسرة عنصراً ذا اهمية قصوى في ترسيخ وتعزيز قيم المواطنة، باعتبارها جماعة وظيفية تزود أفرادها بالأليات الأساسية للتعايش وأداء وظائفها داخل المجتمع الواحد. الامر الذي يعطي للأسرة دوراً جديداً لا يقتصر فقط على تحديد النسل وتربية الابناء، وانما أضحت تلعب دور المنشئ الاجتماعي لأفراد عليهم حقوق وواجبات تجاه وطنهم وهويتهم ومعتقداتهم ومجتمعهم.

والحديث عن دور الأسرة في تعزيز قيم المواطنة نتحدث عن مجموعة أساسيات تنظم العلاقات الانسانية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية داخل المجتمع الواحد. لهذه الأسباب تعتبر المجتمعات التي تعيش ازمة مواطنة هي تلك المجتمعات التي تعاني أزمة قيم وقد تحدث عن ذلك بتفصيل كبير عالم المستقبليات الاستاذ المهدي المنجرة رحمة الله عليه.

ولعل من أبرز قيم المواطنة التي يجب على الاسرة تلقينها للأبناء نذكر:

- تعزيز روح الانتماء للوطن والهوية الوطنية والدفاع عنهما، وتوعيتهم بالمخزون الثقافي الوطني.

- تشجيع الابناء على العمل التطوعي والمساعي الحميدة في خدمة المجتمع.

- تلقين الأبناء القيم والأخلاق والمبادئ الدينية والانسانية.

- تغذية روح المشاركة السياسية والاجتماعية في خدمة الوطن.

- تنمية روح المبادرة والابداع والابتكار في نفوس الابناء.

- تلقين الابناء السلوكيات الاخلاقية الحسنة والجيدة بما يخدم الصالح العام.

- دعم تربية المواطنة الصالحة وتعزيز الثقافة الوطنية في نفوس الابناء.

- تربية الأبناء على ان لهم حقوق وعليهم واجبات، وتنشئتهم تنشئة صالحة.

- تربيتهم على الوفاء والاخلاص والتعاون والتكافل والتضامن واتقان العمل والتفاني في خدمة الوطن.

كما أن المجتمع يلعب دوراً مهماً في تكريس قيم المواطنة لدى أفراده، فالمجتمع الذي يفعل القيم المواطنة يعتبر مجتمعاً متجانساً ومتكاملاً. وقد أضحت اليوم هيئات ومنظمات المجتمع المدني تشكل دعامةً أساسيةً في تكريس وتفعيل قيم المواطنة لدى الافراد داخل المجتمع الواحد، مما يفسر ازدياد الادوار الطلائعية التي أضحت اليوم توكل لهيئات المجتمع المدني باعتباره جزء لا يتجزأ من البنيان الاجتماعي.

ويقوم المجتمع المدني اليوم، بتعزيز قيم المواطنة داخل المجتمع من خلال المساهمة في التنشئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وتغذية روح المشاركة المواطنة لدى افراد المجتمع من أطفال وشباب ونساء ورجال باختلاف اجناسهم واعمارهم. فالمواطنة اليوم يجب أن تفعل ويجب ان تكرس ويجب على كل مواطن ومواطنة أن يحمل في روحه قيم المواطنة الحقة من تعاون وتكافل وتأخي وتأزر وتضامن، كضمانة للحفاظ على الحقوق والحريات، وكوسيلة للضمان النسيج المجتمعي والاجتماعي والحفاظ على نمط العيش المشترك.

كما أن التربية والتعليم مكون من مكونات الحياة الانسانية في جانبيها الفردي والمجتمعي، فبدون تربية وتعليم، وبدون فاعلين تربويين وأطر في التعليم والتكوين لا يمكننا ان نتحدث عن تربية وتكوين أجيال يعتمد عليها المستقبل على قيم المواطنة والمشاركة المواطنة الفاعلة والوازنة في الحياة العامة بمستواها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والحقوقي.

وإذا كانت الاسرة اللبنة الأساسية في التربية والتنشئة، الى جانب المجتمع بمكوناته المدنية والحقوقية وتلويناته السياسية والاجتماعية، فإن للتربية والتعليم والتكوين كلمةً مفصليةً في تفعيل روح المواطنة لدى أفراد المجتمع. وذلك من خلال قيامها على فلسفة ورؤية تتخذ من الأبعاد النفسية والسلوكية والاجتماعية والبيئية والمدنية نقطة بداية، واستناداً على الرؤية الاستراتيجية للمجلس الاعلى للتربية والتكوين 2015 – 2030 والتي تتخذ من المدرسة والتعليم والتكوين قاعدة جوهرية في صلب المشروع المجتمعي الذي يعمل على تفعيل قيم المواطنة والمشاركة المواطنة في الحياة العامة وتتبنى الاسهام في التنشئة الاجتماعية والتربوية والاخلاقية، وتكريس روح المبادرة الايجابية والتطوع والابداع والابتكار بما يخدم الصالح العام. الى جانب تغذية النفوس بالأخلاق الدينية السمحاء من تعاون وتضامن وتأخي وتأزر، والتربية على احترام الرأي الأخر والاستماع الى الطرف الأخر. ناهيك عن التربية على احترام البيئة، وتنمية السلوك المدني من خلال تكوين مواطن متشبث بالثوابت الدينية والوطنية، والمتمسك بهويته الوطنية بشتى روافدها، والمتشبع بقيم التسامح والتضامن والتعايش، وبالقيم الديموقراطية، في انفتاح على القيم الكونية.

رابعا: وثيقة قيم وسلوكيات المواطن المغربي

وثيقة قيم وسلوكيات المواطن المغربي، تهدف إلى تنشئة جيل مغربي واع بمسؤولياته وواجباته تجاه وطنه ومجتمعه وتضم أهم الخصائص والسلوكيات والقيم والمهارات التي ينبغي أن يتحلى بها المواطن المغربي.

الأخلاق والسلوكيات العامة:

على المواطن أن يتحلى بالأخلاق الحميدة والسلوكيات الفاضلة التي من أبرزها أن:

يتمسك بالأمانة والشرف في جميع معاملاته اليومية وأن يتقيد بأخلاقيات المهنة في حياته العملية؛

يلتزم بالصدق في قوله وعمله، ويعزز من قيمة الشفافية في حياته اليومية ومعاملاته المختلفة؛

يتحلى بالكرم في أخلاقه ومعاملاته، ويتخلق بالإيثار مع أقرانه وزملائه.

التقيد بالقيم الإسلامية والتسامح الديني، لذلك على المواطن المغربي أن:

يلتزم ويعمل وفق القيم والمبادئ الإسلامية؛

يحترم جميع الديانات الأخرى؛

ينتهج الاعتدال والتسامح في الدين وفي جميع جوان حياته، ويبتعد عن التطرف والغلو.

الاعتزاز بالعادات والتقاليد المغربية الأصيلة، لذلك على المواطن المغربي أن :

يحرص على التعريف بالعادات المغربية وإبراز تقاليدها الأصيلة لغير المواطنين شكلا ومضمونا؛

يطبق القيم والتقاليد الأصيلة في حياته اليومية، ويعكسها في سلوكياته ومعاملاته مع الآخرين.

الاجتهاد والمثابرة والابتكار والريادة، لذلك على المواطن المغربي أن:

يسعى دائما للتفوق وتبوء أعلى المراتب في مختلف المجالات؛

يكون نموذجا يحتذى به في جميع المحافل ومختلف الأصعدة؛

يسعى للابتكار والريادة والتميز في عمله ويبتعد عن الروتين؛

ينمي المعارف والمهارات التي من شأنها أن تدعم مقدرته على الإبداع والتميز.

الأسرة والمجتمع:

على المواطن المغربي أن:

يضع لأسرته رؤية واضحة الأهداف، تحدد دور الأسرة كنسيج فعال في المجتمع؛

يحترم ويثمن مؤسسة الزواج وأهمية تكوين أسرة، والمسؤوليات التي تترتب عليه كفرد ومسؤول في هذه الأسرة؛

يعزز بيئة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة، ويدعم الاحترام المتبادل فيما بينهم؛

يغرس في أبناءه الوعي بالقيم الاسلامية والأخلاق الحميدة وضرورة التمثل بها؛

يربي أبناءه على أهمية التمسك بالعادات والتقاليد، وضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية؛

يغرس في أبناءه أهمية البذل والعطاء في سبيل رفعة الوطن، ويعزز من دورهم كأفراد فاعلين في المجتمع؛

يحترم الآخرين في المجتمع على اختلاف فئاتهم؛

يحترم الثقافات الأخرى في المجتمع؛

يسعى إلى مد يد العون للفئات الأقل حظا في المجتمع كالمعاقين، والأيتام، وكبار السن، والفقراء.

الوطن:

على المواطن المغربي أن:

يكون مخلصا لدولة المغرب وقيادتها؛

يحافظ على أمن الدولة وسلامتها؛

يكون مطيعا لدستور المملكة وعاملا بثوابته؛

يؤدي كامل واجباته بصدق وأمانة؛

يعمل بجد في سبيل رفعة الوطن وإكمال مسيرة التقدم والتطور فيه؛

يتسلح بالعلم والمعرفة ويتزود بالعلوم المفيدة لتحقيق الازدهار والنماء في الدولة؛

يدعم التلاحم المجتمعي في الدولة ويعمل في سبيل تعزيز الوحدة الوطنية؛

يدعم تطبيق القانون والنظام في الدولة وإحلال الأمن فيها؛

يلتزم بجميع قوانين وتعليمات المحافظة على البيئة والسلامة العامة في الدولة وصحة أفرادها؛

يتحمل المسؤولية الاجتماعية تجاه المرافق العامة ويبتعد عن العبث بها وتشويهها؛

يلم بالحقوق التي كفلها له الدستور وضمن الأطر والقوانين المفروضة.

يونس مليح