شهد اللاجئون الساعون للهجرة عبر ليبيا كارثتين خلال حوالى 24 ساعة، تمثّلت الأولى بقصف مركز إيواء لهم في منطقة تاجوراء شرق مدينة طرابلس، والثانية بغرق قارب انطلق من السواحل الليبية، وقد قتل في الغارة الجوية ما لا يقل عن 60 شخصا بينهم ستة أطفال و130 جريحا، وهو أعلى عدد معلن لقتلى ضربة جوية منذ بدأت قوات الجنرال خليفة حفتر هجوما بريا وجويا على طرابلس، فيما بلغ عدد المفقودين من غرق القارب قرابة 80 مهاجرا.
يثير هجوم قوّات حفتر على اللاجئين التساؤل عن أسبابه، فبماذا يفيد عسكريا استهداف مهاجرين مساكين، هم شبه معتقلين، غير الترويع والانتقام من ضحايا لا علاقة لهم بالصراع أصلا، وهل يعقل أن حصول ضربتين جويتين ضد هؤلاء الساعين للهجرة هو خطأ تقني أو مصادفة، وهل يمكن ربط هذا الهجوم بالجنون الطارئ الذي حلّ على الجنرال بعد سقوط مدينة غريان الاستراتيجية في يد الحكومة الليبية المعترف بها دوليا؟
تصاعدت بعد الهزيمة الأخيرة المذكورة دعوات التهديد والوعيد للمدنيين الليبيين في طرابلس وغريان نفسها، وقامت طائرات حفتر باستهداف المدنيين في طرابلس، وكذلك بقصف مطار معيتيقة الدولي، كما اعتقلت 6 من باعة الشاورما التركية في الشرق الليبي، وهو ما استدعى رد فعل رسميّا تركيّا شديدا كانت آخر حلقاته هجوما عنيفا للرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي وصف الجنرال حفتر بـ«القرصان»، وكذلك تصريحات لوزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو الذي اعتبره «لا يمتلك حسا إنسانيا ويستهدف الشعب الليبي بلا رحمة».
شاركت في الهجوم الذي قصف اللاجئين في تاجوراء، حسب مصادر ليبية متقاطعة، طائرات إماراتية، وذلك بعد يوم واحد من إنكار أبو ظبي تسليح الجنرال حفتر بعد وقوع أسلحة أمريكية مصدرة إليها في يد حكومة «الوفاق الوطني» في غريان، وهو ما استدعى مطالبة السيناتور روبرت مينديز في رسالة وجهها لوزارة الخارجية الأمريكية بفتح تحقيق في صفقات السلاح بين الولايات المتحدة والإمارات، وبعد حديث مسؤول أمريكي عن أخذ الادعاءات حول سوء استخدام الإمارات للسلاح الأمريكي في ليبيا «على محمل الجد».
وتكشف عرقلة الولايات المتحدة لصدور مجرد بيان في مجلس الأمن يدين المجزرة التي اعتبرتها الأمم المتحدة «جريمة حرب»، وذلك بعد تمنع البيت الأبيض عن إعطاء «ضوء أخضر» لهذا البيان، عن النفاق الكبير الذي تمثله تصريحات المسؤول الأمريكي حول توريد الإمارات السلاح لحفتر، فيما يكشف موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موافقة مبطنة على جرائم الحرب التي ما انفك الجنرال حفتر يرتكبها ضد الليبيين والمهاجرين.
وهذا يعني أن الهجوم الدمويّ والعبثي في معانيه وأهدافه لا يحمل بصمات حفتر وحده، بل يتحمل مسؤوليته أيضاً حكام الإمارات الذين يساهمون في تسليح وتمويل الجنرال، وفي دعمه بطائراتهم المقاتلة، كما تتحمل إدارة ترامب حصتها من الوحشية والتغطية على المجازر في ليبيا.