أحالت الحكومة على مجلس النواب في وقت سابق مشروع القانون رقم 77-14 المتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطبيب الشرعي، بعد المصادقة عليه في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 20-09-2018 وإدخال تعديلات على المشروع الأول الذي أعدته وزارة العدل والحريات سنة 2014/

ويأتي هذا المشروع المهم في ظل الخصاص الذي يعرفه المغرب في هذا المجال والذي سبق لوزارة العدل المغربية نفسها أن أشارت إليه عند تقديمها لمشروع هذا القانون، إذ أكدت أن "الجزء الأكبر من التشريحات الطبية المأمور بها من طرف القضاء يمارسه أطباء ليس لهم تخصص طبي معترف به في هذا المجال (المقصود الطب الشرعي)"،كما سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب أن نبه في دراسة له حول الموضوع إلى ضرورة الإصلاح الشامل لهذا القطاع المحورية دوره في المحاكمة العادلة.

فما هي المهام الموكولة للطب الشرعي لمعالجة مشكل التخصص في الأبحاث الجنائية؟ وما هو الإطار التنظيمي الجديد لضمان ممارسة جيدة للطب الشرعي في المغرب فيما تشمله من حقوق وواجبات ومسؤوليات؟

أولا : مهام الطبيب الشرعي وفق مشروع القانون الجديد

يتكون مشروع القانون الجديد من 38 مادة (عوضا عن 60 مادة التي كانت في مشروع وزارة العدل السابق الإشارة إليه) يبدأ بتحديد المضامين المكونة لهذا القانون والمتجلية في سن قواعد لتنظيم ممارسة مهام الطبيب الشرعي وتحديد حقوقه وواجباته ونظام المساءلة القانونية له (المادة الأولى) وتقرير أن الطب الشرعي يعد من بين مهن المساعد للقضاء (المادة الثانية).

بعد ذلك حدد مشروع هذا القانون مهام وصلاحيات الطبيب الشرعي، كما يلي:

الفحص السريري للأشخاص المصابين جسميا أو عقليا وتسليم الشهادات والتقارير بشأن هذه الحالات وإبداء الرأي الفني في القضايا المعروضة على القضاء بتكليف من هذا الأخير وتقدير سن الأشخاص بناء على انتداب قضائي وفحص وأخذ عينات من الأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية أو المحتفظ بهم أو المودعين في مؤسسة تنفيذ العقوبات لتحديد طبيعة الإصابات اللاحقة بهم وسببها وتاريخها ومعاينة الجثث والأشلاء ومعاينة استخراج الجثث وتحديد أسباب الوفاة والقيام بالمعاينات المفيدة في البحث الجنائي ورفع العينات عن الأجسام بما فيها المواد المنوية والشعر والعينات النسيجية والدموية وإبداء الرأي فيها للقضاء وإعطاء التفسير الطبي لنتائج الفحوصات والتحليلات للعينات العضوية ومختلف المواد كالمخدرات والسموم والإفرازات الجسمية ومخلفات إطلاق النار ويمكن للطب الشرعي أن يقوم بكل مهمة أخرى يكلف بها من الجهات القضائية المختصة وتدخل ضمن مهامه (المادة 03 من المشروع).

يندب الطبيب الشرعي من طرف السلطات القضائية (النيابة العامة وقاضي التحقيق وهيئات الحكم) قصد الانتقال إلى مكان الجريمة والقيام بالمعاينات الضرورية، ويمكن أيضا لضباط الشرطة القضائية بعد موافقة النيابة العامة أو قاضي التحقيق الاستعانة بطبيب ممارس للطب الشرعي، كما يمكن لنفس السلطات القضائية أن تأمر بإجراء تشريح طبي على الجثث إذا كان الأمر ضروريا وكذا الأمر باستخراج الجثث من القبور ونقلها.

أوجب القانون على السلطات القضائية إجراء تشريح طبي يقوم به طبيب شرعي في الحالات الآتية: (الوفاة الناتجة عن الاعتداء الجسدي أو الجنسي – أو التسمم – الوفاة التي تقع في مؤسسات تنفذ العقوبة أو أماكن الاعتقال الاحتياطي والحراسة النظرية وأماكن تدابير الوقاية ومراكز الإيداع – الوفاة الناتجة عن الشك في حالات التعذيب – وحالات الانتحار أو الشك فيه )، ويتعين على النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو الشرطة القضائية إشعار أقارب الضحية بشان قرار إجراء التشريح مع تضمين ذلك في محضر.

يتعين على الطبيب الشرعي بعد إكمال مهمته المنتدب لها أن يقوم بكتابة تقرير يرفعه إلى الجهة القضائية يضمنه معلومات عنه وعن الضحية وخلاصة المأمورية المنجزة بالاعتماد على معاينته، مع إمكانية الاستعانة بمختبرات في تخصص معين بعد مراجعة سلطات الانتداب القضائية، وإشفاع التقرير برأيه التقني مع منعه من مناقشة المسائل القانونية أو توجيه اتهام لشخص معين، ويمكن للجهات القضائية أن تقوم بطلب توضيحات محددة من الطبيب الشرعي بخصوص تقريره الذي يكتسي طابع السرية ويمكن لنفس نفس الجهات القضائية أن تسلم نسخا للضحية أو أقاربه من ذوي الحقوق وللدفاع ما لم يكن لذلك تأثر على إجراءات البحث التحقيق.

ثانيا: الإطار التنظيمي الجديد لضمان ممارسة جيدة للطب الشرعي في المغرب فيما تشمله من حقوق وواجبات ومسؤوليات

تضمن مشروع القانون الجديد مجموعة من الحقوق التي تضمن ممارسة الطبيب الشرعي في إطار منظم ومستقل كما فرض عليه مجموعة من الواجبات ورتب عليها جزاءات قانونية في حال مخالفتها.

وهكذا، تضمن مشروع القانون سالف الذكر التنظيمات والحقوق والواجبات الآتية:

الاقتصار حصرا في ممارسة مهمة الطبيب الشرعي على الأطباء المتخصصين المقيدين في جدول الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء أو الأطباء العاملين في المكاتب الجماعية لحفظ الصحة والأشغال الاعتبارية العامة أو الخاصة الخاضعة لقانون خاص، شريطة أن يكون الجميع متوفرا على التكوين الشهادة المطلوبة مع مراعاة مقتضيات المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في المادة 37 من مشروع هذا القانون، مع أداء اليمين القانونية، ويعتبر الطبيب الشرعي خبيرا قضائيا إذا كان مقيدا بأحد جداول الخبراء التابعة لمحاكم الاستئناف بمقتضى قرار لوزارة العدل، وكل ممارسة خارج هذا الإطار التنظيمي تعرض صاحبها للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 381 من القانون الجنائي.

يتمتع الطبيب الشرعي حين أدائه لمهامه بكامل الاستقلالية، وهذا مقتضى مهم جدا لضمان ممارسة عملية سليمة (المادة 05 من المشروع).

يتمتع الطبيب الشرعي أثناء ممارسته لمهامه بالحماية القانونية المنصوص عليها في الفصلين 203 و267 من القانون الجنائي المغربي وكل عرقلة لعمله معاقبة بالحبس وبالغرامة بمقتضى المادة 33 من مشروع هذا القانون.

يلزم الطبيب الشرعي عند إبداء رأيه الفني بالحياد والتجرد والنزاهة ومبادئ الشرف والالتزام بما تقتضيه أخلاقيات المهنة والضمير المهني.

يلتزم الطبيب الشرعي بكتمان السر المهني مع إقرار نفس العقوبة المقررة لهذه الجريمة في القانون الجنائي المغربي.

نص المشروع على حالة التنافي وتنازع المصالح للطيب الشرعي، وهو مقتضى مهم جدا لشفافية العمل المهني وضمان حياديته (وقد حددها المادة 09 في ما يلي: وجود علاقة علاجية وقائية سابقة مع الشخص المراد معاينته أو تشريح جثثه وكذا في حالة وجود مصلحة شخصية أو مهنية تتنافى مع إنجاز المهمة الموكلة للطبيب الشرعي.

كل طبيب شرعي قدم رأيا كاذبا أو معلومات غير صحيحة أو أخفاها عمدا للجهة القضائية التي انتدبته يعاقب بالعقوبة المقررة لشهادة الزور المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي.

هذه هي مجمل الواجبات والحقوق التي جاء بها مشروع القانون الجديد المتعلق بتنظيم ممارسة مهام الطبيب الشرعي؛ غير أن الملاحظ هو أن التنظيم الإداري والمؤسساتي للمهنة في هذا المشروع لم يرق إلى التنظيم المتقدم الذي كان يقترحه المشروع الأول الذي أعدته وزارة العدل والذي كان يقترح تنظيم المهنة في إطار مجلس وطني للطيب الشرعي تم منحه مجموعة من الصلاحيات والمهام لتنظيم المهنة وتطويرها عبر القيام بدراسات وأبحاث وإعداد تقارير سنوية توجه إلى عدة جهات حكومية وقضائية فضلا عن إمكانية إحداث مجالس جهوية وإحداث وحدات للطب الشرعي بمختلف المستشفيات الجامعية والجهوية والإقليمية وبينة إدارية لدى وزارة الصحة تتكلف بالرفع من جودة المهنة ونجاعتها وتمكين الوحدات المحدثة بالمستشفيات من أدوات العمل الضرورية بتنسيق مع المجلس الوطني للطب الشرعي.

وتجدر الإشارة، في ختام هذا المقال، إلى أن هذا القانون بعد صدوره من شأنه أن يعزز إجراءات البحث الجنائي ويقوي وسائل الإثبات العلمية أمام هذا النوع من القضاء سعيا لزيادة ضمانات المحاكمة العادلة في هذا المجال، بعد التغلب على مشكلة قلة الأطباء الشرعيين في المغرب وضمان وجودهم بشكل كاف في كل المستشفيات المغربية على صعيد كل الدوائر القضائية الاستئنافية، على الأقل، البالغ عددها اثنتان وعشرون (22) دائرة، لكون الوضع الحالي المتسم بنقص حاد في عدد الأطباء الشرعيين وتواجد أغلبهم في المراكز الاستشفائية الكبرى اليوم لا يساعد نهائيا على تطبيق مقتضيات هذا القانون.

 

عبد اللطيف الشنتوف