الإجماع الوطني المسؤول صورة من صور الحياة السياسية العادية، تحتاج إليه المجتمعات وتطلبه وتستدعيه، وبخاصة في القضايا الكبيرة والمركزية، والتي تلتقي فيها وتشتبك الخطوط والخيوط.

ويعتبر التحقق بحد معقول ومسؤول من الإجماع الوطني من أبرز ملامح الحياة الديمقراطية السليمة، التي تعني الاختلاف المسؤول، كما تعني أيضا الائتلاف المسؤول بين الحاكمين وبين كل قوى وأطياف المجتمع، وهذا هو عمق الإيمان بالاختيار الديمقراطي، فكما نحتاج إلى كل الفرقاء الجادين، أفرادا ومؤسسات، في مطارحة الأفكار وفرز البدائل وتمحيصها، نحتاج إليهم أيضا، وبنفس الدرجة، وربما أكثر، في التحقق بالإجماع المسؤول حول قضايا مركزية، تتطلب قوة في الحسم ولا تحتمل كثرة القيل والقال، مثال ذلك قضية وحدتنا الترابية وغيرها.

مناسبة هذا الكلام ما أثاره اجتماع المنامة، الذي يخص القضية الفلسطينية، من نقاشات ومناشط سياسية، اكتنفها الكثير من الالتباس، ومست في جزء كبير منها ما نسميه بإجماعنا الوطني، بحيث وجدنا أنفسنا، في موضوع لقاء المنامة، إزاء رؤيتين متقابلتين: الأولى رسمية، تقول بمشاركة المغرب في اجتماع المنامة، بناء على قراءة وحيثيات معينة، بترجيحات اقتصادية ودبلوماسية؛ والثانية شعبية أو مجتمعية، تعني الكثير من الأطياف السياسية، التي تقول بلا جدوى هذه المشاركة، وتخرج في مسيرات لمناهضتها.

السؤال الكبير الذي ظل بلا جواب واضح، عدا الجواب الدبلوماسي، هو ماذا ستستفيد بلادنا، وكذا القضية الفلسطينية معا، من اجتماع المنامة؟، الرسالة التي يكاد يؤكدها الجميع، سرا وإعلانا، وبصيغ مختلفة، هي اللاجدوى، حتى بالنسبة إلى من يتولون السلطة التنفيذية، ويتكلفون بصياغة القرار. بالطبع، الرد الرسمي، الواضح والقوي، في مثل هذه القضايا، يستند بالضرورة إلى إجماع وطني حقيقي، والإجماع الوطني الحقيقي يقتضي بالضرورة حياة ديمقراطية، واضحة المعالم والخطوط، تلتقي فيها إرادة الحاكمين، بإرادة المواطنين.

إن الإجماع الوطني لدى الأمم الحية يعني الاستقواء المسؤول والمتبادل بين الشعوب والحاكمين ولدى الأمم الضعيفة والمتخلفة، يعني توظيف ورقة الشعوب من طرف الحاكمين، بغرض تأكيد الأحقية والغلبة، وبالطبع، لكل معنى نتائجه، كما له مقدماته، وشتان بين المعنيين.

 

إبراهيم أقنسوس