بْرترانْدْ رسَلْ، الفيلسوف البريطاني المعروف هو من قال: "لقد رأى سبينوزا، مثل سقراط وأفلاطون، أن الجهل هو العلة الأولى لكل شر، بينما المعرفة بمعنى الفهم الأفضل للكون، هي الشرط الأساس الذي يوصلنا إلى الحكمة والسلوك القويم". يمكن اعتماد هذه المقولة الفلسفية أرضية لمباشرة الحديث عن الصراع الدائر –الآن- بين الأصوليين والحداثيين. لا على اعتبار أن الجهل صفة لصيقة بالأصولي، والعلم سمة مائزة للحداثي، بل على أساس لغة التجهيل التي يرمي بها كل فريق الفريق الآخر، فضلا عن أعراض الكراهية التي تُزَنِّر آراء بعض "الفقهاء" الذين ليس لهم من الفقه إلا الاسم، ولغة التكفير التي يؤسسون عليها تبرمهم من النقاش الحي، وضجرهم من الفكر الحر، الفكر الحداثي الموسوم من وجهة نظرهم بصفات الشر، والتغريب، وهو الفكر الذي طالما نعتوه بالهرطقة والزندقة، والشعوبية، والإلحاد بما يعني أنه فكر يدعو إلى عدم الإيمان بالنبوة، والاجتراء على الذات العلية، على رب العزة، وباريء الكون والحياة.

هكذا نرى – منذ البدء- كيف تتباعد الوجهتان، ويتخالف التوجهان، ويتناءى المنحنيان على نحو يوحي بالعداء المبطن، والسافر، وَسَمْتٍ يعلن صعوبة التوافق، وتباعد التقاطب لجهة القبض على المشترك إن كان هناك مشترك، وحد أدنى من التفاهم.

وَلِعِلَّةٍ لايعرفها إلا الخائضون في هذا الأمر الذي استدعاه الموار الاجتماعي، والسياق السياسي، والحراك الثقافي العام، تندلع أساليب السباب، والتلاعن والتنابز بعيدا عن التريث الضروري، واستخدام العقل الواجب في مثل هذه القضايا، القضايا الموصولة بواقع البلاد العربية الإسلامية، والمرتبطة بموقع الإنسان فيها، وصلته بالعصر من عدمها. إذ عنوان التقدم، والانخراط في الكوكبية والعولمة، ومجتمع المعرفة بشكل عام، مأتاه إحراز العلم، والثقافة العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية والرقمية. وهو مأتى لا يتحقق بالعدوان، والنظر إلى الغير نظرة تبخيس واحتقار وكفر، والحال أن حالنا تستوجب الإشفاق والبكاء والعزاء. فإلى حدود الساعة، لم يَتَسَنَّ للطرفين المتصارعين فكريا ومعرفيا، الوصول إلى تقريب المختلف، وتمتين، مع تسويق، المؤتلف. أما المؤتلف الذي نقصد، فهو التذكير – تذكير الطرفين، الموقفين بالانتساب إلى البلاد الواحدة، الغارقة في التخلف الفكري، والاقتصادي، والسياسي، والعلمي، والبيئي. وهذا لوحده، مدعاة، لو غَلَّبْنَا الحكمة، واستحضرنا العقل، لرأب الصدع، وَرَتْق الفَتْق، وتسريع الاعتراف بما نحن فيه وعليه، إذ الاعتراف بالواقع، والوعي ب "المقدور" الذي تسببنا فيه، يحقق التقدم الإنساني، ويرفع الحرج عن كُلِّ من الحداثيين والإسلاميين الأصوليين، لِمَا فيه خير الوطن، وخير المجتمع، وخير الإنسان. وهو الخير الذي يكمن في ضرورة الحسم في: ما السبيل الأقوم، والخلاصة الأبدع في توليف الرؤيتين، والفكرتين المتعارضتين؟.

أي: ماذا نبغي لوطننا من حيث المرجعية الضامنة للرقي، والخروج من رِبْقة التخلف، ومن المراوحة في المكان؟ هل الأخذ بأسباب اللائكية، أو استدعاء مقومات الخلافة الإسلامية؟ أو التركيب المزجي بينهما؟ وكيف؟ وبأي ثمن؟.

وهل اللائكية التي نَرُومُ كمخرج لِمَا نحن فيه من تَلَجْلُجٍ وتَخَبُّط، رهان يقضي بالانخراط في معترك العلوم، والطب، والهندسة، والفيزياء والآداب، والفنون، كمستلزمات ثقافية دنيوية، ومضامير بشرية يستوي فيها الرجال والنساء، البيض والسود، المتدينون من شتى الديانات، وغير المتدينين في وئام بديع، وتساكن رفيع تنسجه المواطنة الحق، ويرعاه التطلع الواحد، وتضفره المصالح المتقاطعة والمشتركة؟. فما نرومه من اللائكية، وهو بعض ما أشرت إليه، ينبغي أن يؤخذ مأخذ جد وصدق واندماج من لدن الإسلاميين المتنورين الذين عليهم إقناع الأصوليين المتزمتين بأن المخرج مما نحن فيه، هو الأخذ بهذا المنحى الفكري الثقافي، والتشبع به، من دون القطع مع الدين الإسلامي الحنيف وهو الحاضر كضمير خلقي، ووازع أخلاقي، ومصدر روحي، وتهذيب سلوكي، وحافز على التعارف، والتضامن، والتَّحابِّ مع مختلف المواطنين، ومختلف الأجناس.

أما استدعاء مقومات الخلافة الإسلامية، فهو طموح يَرْتَدُّ إلى تشوف الوجدان المقموع، وتطلع الحال المقهور لأسباب تاريخية أكثرها من صنعنا، وصناعتنا. ومن ثَمَّ، أصبح فتح النقاش مع الذين يحملون هذا "التوق"، وينتظرون أو يعملون – بطرق مختلفة- على إعادة التاريخ الإسلامي، واستدعاء مراحله الأكثر إسلامية و"شورى"، أصبح لازما لازبا من خلال المفاتحات، والمناظرات، والإعلام بأنواعه المختلفة. أما كيف يُصَارُ إلى إقناعهم، أو تقريب وجهات النظر، وتحقيق هذا المأرب التاريخي الوجودي، فذلك هو بيت القصيد، ومربط الفرس؟. سوى أنه ينبغي الحسم في مسألية التردد والتفكر المتلكيء، والتباطؤ المُغْرض على أساس ربح الوقت، وإنهاك الحداثيين بِحُسْبان أفكارهم، ودعاواهم، ورؤاهم مرفوضة –جملة وتفصيلا- من عامة الشعب، هذا الشعب المشدود بأوثق العرى، وأمتن الأواصر، إلى دينه الإسلامي لا يبغي عنه بديلا، ولا أذن له ينصت بها إلى أدبيات "الكفار" المتربصين بالإسلام منذ "عهد عاد". والحق أن الرأي ذاك منتشر بين أوساط البسطاء، ومتغلغل في ذهنيتهم وعقليتهم، بيد أن مسؤولية هذه الأفهام المحنطة التي تجد فسحة ومرتعا لها لدى "الدهماء"، ترتد إلى الأصولية المتحجرة، المقيمة في وهم زمن ذهبي ولى، ترتد إلى "علماء السوء" في تسمية قديمة لبعض رجالات التصوف، وهم يرون ما كان يفعل بعض "العلماء" بسذاجة العامة، وكيف يبيعونهم الجنة، وَوَهْمَ النعيم المنتظر لإلهائهم عن الثورة على أوضاعهم البائسة، وفاقتهم الصارخة.

فهؤلاء " العلماء" فيما يقول بعض المتصوفة، مثلهم "مثل صخرة وقعت على فم النهر، لا هي تشرب الماء، ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع ".

ما يعني – بلغة عصرنا- أن هذه البطانة من "الفقهاء" عملت على إيقاف عجلة التاريخ والتحول، وسعت – وقد نجحت إلى حد بعيد- إلى كبح التطور الفكري والحضاري الذي اقتضاه الإسلام في جوهره، وكان في صدد تطوير المعارف والعلوم الإسلامية، وكذا الإنسانية آنذاك لولا هؤلاء. والغريب أن هذه اليد الآثمة، هذه اليد الظالمة التي بطشت بفكر التحولات، وقمعت حرية الإرادة، وتحرر الفكر، واعتدت على بذور العقلانية، بل على يانع ثمارها لما أزهرت بين أكمام وبتْلاَتٍ المعتزلة تمثيلا لاَحَصْرا، هذه اليد امتدت، واستمرت، وتَمَّدَدَتْ، وَتَمَطَّتْ، وتطَاوَلَتْ، وَاخْطَوْطَبَتْ حتى حَجَبَت شعاع الشمس، وَانْتَحَتْ صوب العتمة والتعتيم من خلال تفاسير وشروح مُدْلَهِمَّة، تَتَأَوَّلُ التقدم البشري بحسبان تصورها اليابس و"المخدوم"، وترى أنه لا فكر إنسانيا راقيا، ولا فتحا معرفيا جاء لخدمة البشرية، إلا في القرآن والسنة، بل وفي عهد النبوة، وما بعدها محصورا في الخلافة "الراشدة". ومن ثم، لا نقاش، ولا مذاكرة، ولا اجتهاد، ولا تطور، خارجَ وبعيدا عن القرن الأول للهجرة والثاني للهجرة على أبعد تقدير. فكأنهم لم يقرأوا ابن خلدون – أو هم تعاموا عنه – الذي يقول: "... وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم، لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال. وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار، والأزمنة والدول...".

ولعله من المكرور المعاد، القول بأن الإسلام دين ودولة ما هو إلاَّ هدر للوقـت، والجهد، والأفكار والأعصاب. وهذه بديهة أولى ينبغي الحسم فيها لأنها –من وجهة نظري- عائق ابستمولوجي، وفكري، وإرادي. ومع أن أمر الدولة الإسلامية حسم منذ عقود على يد مفكرين إسلاميين متنورين في مصر، وفي تونس، وفي العراق، وفي السودان بالحجة والدليل، إذ نظام الحكم كما قَعَّدَهُ الرسول، كان نظاما أقرب ما يكون إلى المشيخة والعشائرية التي تحولت بعد وفاة الرسول الأكرم، إلى نسيج مجتمعي سُمِّي بالأمة، نسيج متماسك شرع يعي أهمية التماسك، وبناء التراتبية الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، لكن بعد "الفتوحات" الإسلامية التي وقفت – وهي تحتك بالشعوب المغلوبة، والأمصار المفتوحة، على نظم إدارية، واقتصادية، وقواعد قانونية، ومساطر وضعية، وأنظمة لِلرَّي والزراعة وغيرها، ما جعلها تستوعب الجديد مُنْبهرة، مستدخلة إياه في بناء الخلافة، أو الإمارة، أو السلطنة. علما أن الخلافة، والسلطنة، والإمارة، كانت نُظُمًا للحكم متواشجة، متصاهرة مع أهل الكتاب، والذميين، والموالي، حيث وضع الخلفاء العرب، -على رأس الدواوين، وبيوت مال المسلمين وغيرها- رجالات غير عرب لمؤهلاتهم العلمية، وكفاءاتهم الاقتصادية، والسياسية، والتدبيرية. نُظُمٌ للحكم، وأشكالٌ هجينة اِمْتَحَتْ من الحضارة الفارسية، والهندية، والرومانية، والتركية، ما يعني أنها أمشاج رسخت نظام الحكم والخلافة من دون أن تقيم دولة دينية بالمعنى الذي يذهب إليه أصوليو اليوم، والبارحة كـ: حسن البنا، والمودودي، وعبد القادر عودة، وسيد قطب وآخرين. فهؤلاء هم من أَسْطَرَ الإسلام، وَضَخَّمَ الروايات القديمة، وأضفى على أَعْصُرِ الخلفاء الراشدين، وَبعْضٍ أَخَرَ، الخوارقَ، والتوصيفات فوق الآدمية. وأعلنوا في خطاباتهم، وكتاباتهم، و"جهادهم" الفكري أن الإسلام دين ودولة، وأنه نظام كامل للحياتين: للدنيا والآخرة، ما خلف الانطباع بل اليقين، والمطلقية بنموذجية الإسلام كدولة، كخلافة، وسقوط كل أنظمة الحكم، وأشكال الدول التي عرفها الغرب وأمريكا، ولم لا؟ كل البناءات الأمبراطورية الراسخة في الصين القديمة، وكذا الهند واليابان.

إن فكر الأصولية الجديدة – ما خلا استثناءات متنورة ـ لم يَرْقَ إلى المطلوب، فالارتقاء المقصود يستوجب التقاط جمرة التوثب الاجتهادي في كل الحقول، ويستلزم التخلي عن طروحات بالية منتهية، ويتطلب الحوار ثم الحوار ثم الحوار، واستئناف الاجتهاد الفقهي المقاصدي، والاستحساني، والاسترسالي، وتطويع النص للمصلحة، لا المصلحة للنص، لأن الإنسان هو مناط الكون، مناط كل شيء، وليس من معنى للديانة أيًّا تَكُنْ هذه الديانة، من دون الإنسان. الظروف تتغير، والفكر يتجدد، والثقافة تُقَشِّرُ سلهامها وَلِحَاءَهَا كل موسم وكل سنة، بل كل شهر، والفتح العلمي والتكنولوجي يَتْرَى، يُدَوِّخُ ، وَيُبْهِرُ.

من هنا، فلا مجال لِدَسِّ الرأس في الظلام، وَلَعْنِ النور، لا وقت لرمي المجتهدين الذين يطرحون أسئلة على بعض النصوص القطعية التي تعاند التقدم، والإنجاز الإنساني، بالجُرْمِ، والتكفير، والاستباحة. فَمَنْ هُمْ حتى يفعلوا ذلك، من انتدبهم، من أوكل لهم دور التخوين والتجريم، والشتم، والنهش في العرض، والحق الإنساني؟.

فهل خَوَّنَ الحداثيون الإسلامويين، الأصوليين، المتاجرين بالدين؟ هل رموهم بفاحش الكلام، واستحلوا دماءهم؟ هل طردوهم من الوطن، واستعدوا عليهم الناس، أو عِلَّية القوم، أو السلطات والحاكمين؟.

الحريات الفردية أساس الحياة، والآدمية، والجوهر الإنساني الثابت. لا للجموع العمياء، والقطيع المُسَرْنَم المُسَاق إلى المجهول، أو الماضي الغابر الذي لن يعود أبدا، إذ كيف يعود زمن مشروط بتاريخية، وفكر، وإنسان مختلف تماما عن إنسان اليوم، وثقافة اليوم، وشروط اليوم؟.

لسان حال الأصوليين يقول: لا للحدود، لا للوطن المسيج – و"طز" في الانتماء الضيق لتراب محدود وَمُسَوَّرٍ من الجهات الأربع. بينما لسان الحداثيين يقول: الوطن هو الوطن. الولاء أولا وأخيرا للوطن بما يحتضن من تاريخ وجغرافيا وسلالات وأفراد مواطنين، وديانات.

تُراني أَوْغَلتُ بعيدا في الحديث عن الأصوليين، باعتبارهم العائق أمام التقدم المنشود، والسد العالي في وجه التطور، والعلم، والمستقبل؟.

لكن، وماذا عن الحداثيين؟، أتراهم أعلى سهما في الفكر الإنساني الحديث، وأرفع كعبا في الانتصار للحقوق الإنسانية من مدنية وثقافية، ودينية، وسياسية، وللمساواة التامة غير المنقوصة بين الرجل والمرأة، وأسمى شأنا وهم يقيمون حوارات مع أشكال الفكر، والعلم، والسياسة التي أبدعها وأنشأها العرب وأمريكا، وبعض دول آسيا؟. لم أستعمل أَفْعُلَ التفضيل عبثا، بل استعملتها لأن معناها يفيد المشترك بين الشيئين، والصورة المتقاطعة بين الأقنومين، والهم المشتبك بين المكونين وَإِنْ زاد أحدهما على الآخر في تلك الصورة، وذلك المشترك، وذاك الهم، ما يفيد أن قَدَرَ الحداثيين والأصوليين، هو التفاهم والتقارب على اختلاف وَمِنْ خِلاَفٍ، أقول هذا من دون إغفال مصارحة الحداثيين بضرورة الانكباب على ما هو علم وثقافة وفكر وأدب، واستفادة وبناء، ونضال من أجل بناء دولة ديمقراطية حقيقية تسودها الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، وَلْنَكُفَّ عن استفزاز الطرف الآخر من حيث التأكيد على الحريات الفردية، على ذلك النوع المغرق في الفردية والحميمية والذاتية والنفسية الخاصة كمثل: "العلاقة المثلية"، وتعاطي الجنس خارج مؤسسة الزواج، "وعدم صيام رمضان"، و"التقبيل العلني"، لأنها ممارسات تقع خارج ما نبتغيه من بناء ديمقراطي، وفكر تحرري، ورؤية عقلانية، فهي ممارسات "حميمة" تختص بأصحابها وصواحبها، وهي اختيارات –نعم- تَنْدَرِجُ ضمن حرية الضمير، وحرية المعتقد، وحرية التعبير والمسؤولية الفردية. فَكُلٌّ مسؤولٌ عن اختياره، وتخيره، ما يعني أن المسئولية حرية، والحرية مسئولية، وبما أن الأمر كذلك، فلا أقل من أن نتجاهل هذه "الوِجْهات"، وهذه "المواقف"، فلسنا حراس أخلاق، ولا أوصياء على أحد، لنستفز به شعورا دينيًا عاما، و"نَجْرَحَ"، وجدانا جمعيا ينتمي إلى تراث إسلامي، وينتسب إلى هوية تتسم بالمحافظة والتقليد. فَإذًا، هو باب تدخل منه الريح، وشقوق تتسرب من خللها الإِحَـنُ والسَّخَائِمُ، والخـوف من "الهـاوية" التي يحث الخُطـى إليها الحـداثيون –لامبالين- في منظور وتقدير الأصوليين، والحال أن الانشغالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، هي ما ينبغي أن يتوجه إليها الجهد، والوَكْدُ، والرهان والاجتهاد، والنضال لنضمن موطيء قَدَمٍ إلى جانب الأقدام التي بَلَّلَها نور الوثوق والتكريس في العصر من زمان. وهي الانشغالات التي تَؤُولُ إلى وجوب تفعيل الدستور على أرض الواقع، وبلورة بنوده، ومقتضياته التنظيمية من دون إبطاء ولا تماطل، وتفعيل سلطة القضاء بعيدا عن وصاية الجهاز التنفيذي، بما يعني محاكمة الفاسدين والمفسدين، ونشر العدل والإنصاف بين المتقاضين على أساس الميزان والمساواة. وتوزيع الثروة الوطنية على نحو يقلص الفوارق الطبقية، وينهض بالجهات: (الجهوية الموسعة)، دَرْءًا للتفاوت المجالي، والظلم الاقتصادي، والانكماش الاجتماعي، والعمل على إيصال أسباب الحياة إلى العالم القروي، إلى القرى والبوادي النائية، المنزوية بعيدا عن أنفاس العصر، من طرقات معبدة، ومدارس جماعاتية، وَمَشَافٍ، ووسائل نقل، ومواصلات.. إلخ، وتوفير الشغل لشبابنا وشاباتنا العاطلين، وإطلاق سراح معتقلي الرأي: شباب 20 فبراير، وشباب الحسيمة وجرادة وغيرهما: إناثا وذكورا، وأصوليين ما لم يَمْتَدِحوا الإرهاب، ويعلنوا، الولاء "لأمراء" الموت.

هكذا نبني وطنا يتسع للجميع – وطنا قوامه الإنصات المتبادل، والتسامح، والتعايش الأخوي، والسلم الاجتماعي، والاختلاف الحي الذي يوجب الاحترام بين الأطراف، والمكونات جميعا، وطنا يرفرف فيه لواء الحرية، سقفه الديمقراطية، وأركانه الكرامة والعدالة الاجتماعية.

 

محمد بودويك