إذا كان القرار الصادر عن اللجنة التنفيذية بالكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (كاف)، في اجتماعها المنعقد يومي 4 و5 يونيو بالعاصمة الفرنسية باريس حول مهزلة ملعب راديس بتونس، والقاضي بإعادة مباراة إياب نهائي عصبة أبطال إفريقيا بين الترجي التونسي ونظيره الوداد البيضاوي في ملعب محايد، مباشرة بعد نهائيات كأس إفريقيا للأمم التي ستستضيفها مصر ما بين 21 يونيو و19 يوليوز 2019، نزل عشية عيد الفطر على الوداديين وهم في أوج الانتشاء بلقب البطولة الاحترافية للموسم الرياضي 2018/2019، كقطعة ثلج باردة أنعشت آمالهم وضاعفت حظوظهم في الظفر بالكأس الإفريقية.

بعد أن قضوا خمسة أيام من الترقب والتوجس لما ستسفر عنه مداولات اللجنة التي دعا إلى التئامها رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الملغاشي أحمد أحمد، على خلفية ما تعرض إليه الفريق المغربي (الوداد الرياضي البيضاوي) من "مجزرة" شنعاء على يد الحكم الغامبي باكاري غاساما، تمثلت في حرمانه من هدف التعادل الذي أحرزه اللاعب الكرتي بضربة رأسية في الدقيقة 59 بداعي تسلل وهمي، خلال المباراة التي جمعت الفريقين يوم 31 ماي بالعاصمة التونسية، ورفضه الرجوع إلى جهاز "الفار" للتأكد من مدى مشروعية الهدف أو عدمها، والذي تبين أنه كان معطلا بفعل فاعل ووضع فقط للتمويه، وإعلانه في سابقة رياضية خطيرة عن تتويج نادي الترجي التونسي باللقب بعد مرور حوالي ساعة ونصف على توقف المباراة.

فإنه على عكس ما اعتبره الوداديون قرارا منصفا إلى حد ما، يعود فيه الفضل إلى مستوى الحجج القانونية التي أدلى بها الوفد المغربي، نزل كالصاعقة الحارقة على رؤوس مكونات الترجي التونسي وجماهيره، التي رأت فيه قرارا مجحفا من حيث الادعاء الباطل بانعدام شروط اللعب والأمن، التي حالت دون إكمال اللقاء الذي توقف في حدود الدقيقة الستين بنتيجة هدف لصفر، عوض الإقرار بانسحاب الفريق الخصم جراء العطب الفني بجهاز "الفار". إذ تساءل الكثيرون منهم عن جدوى الحفاظ على نتيجة مباراة الذهاب التي انتهت بالتعادل الإيجابي (1-1) بالرباط، أمام إرجاع الكأس والميداليات، التي أشرف على توزيعها في موكب رسمي وأمام أنظار العالم رئيس الكاف بنفسه، وإعادة مبارة الإياب من جديد في بلد محايد رغم تقدم الترجي بهدف لصفر حتى حدود الدقيقة الستين؟ !

فالقرار أثار موجة غاضبة في الجانب التونسي، مما أدى إلى إفصاح النادي عن نيته في اتخاذ الإجراءات الضرورية للدفاع بكل السبل القانونية عما اعتبره حقا "مسلوبا"، من خلال الطعن في الحكم لدى المحكمة الرياضية الدولية، مادامت حظوظه وافرة في إلغائه، لكون المباراة جرت في أجواء تنظيمية وأمنية طبيعية، لم يحدث فيها أي اعتداء على عناصر الفريق الضيف وجمهوره أو اجتياح الملعب من طرف أنصاره أو غيرهم. وتصاعدت ردود الفعل في الأوساط الرياضية وعبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ ظهرت بعض الآراء جد متشنجة منها ما ذهب إلى حد اتهام رئيس الكاف باستهداف النادي التونسي، معتبرة أن التعلل بغياب شروط اللعب والأمن مجرد ذريعة وهمية، لإرضاء نائبه فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وخدمة مصالح الفريق الخصم نادي الوداد البيضاوي. وأن القرار كان جاهزا حتى قبل عرضه للنقاش حسب ما تسرب للإعلام الرياضي...

لكن الأخطر من ذلك هو أن الأمور تطورت إلى ما هو أسوأ بعيدا عن القيم الأخلاقية والروح الرياضية العالية، لتتحول من مجرد معارضة قرار إلى حملات تشهير ضد المغرب وقضاياه الوطنية الحيوية، وشتائم واتهامات متبادلة بين مشجعين تونسيين وآخرين مغاربة، عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي. وهو ما أجج "غضب" بعض السياسيين التونسيين الذين يبحثون عن تلميع صورهم

والرفع من شعبية أحزابهم، وجعلهم يدخلون على خط الاستنكار والتنديد وفي مقدمتهم رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، الذي اعتبر القرار "مهزلة" في تغريدة له على موقع "تويتر"، رافضا المس بالقوات الأمنية التي تعد مثالا يحتذى به، ومصفقا لجمهور الترجي التونسي على انضباطه، مبديا عزم بلاده الأكيد على حماية حق "الترجي" أو أي جمعية رياضية تونسية أخرى. ناسيا بذلك أن الفضيحة الكبرى التي هزت أركان الكاف هي تلك التجاوزات الخرقاء، التي قام بها الحكمان جويشة وساغاما في نهائي دوري أبطال إفريقيا ذهابا وإيابا ضد فريق الوداد البيضاوي.

وبصرف النظر عن الدفوعات القانونية التي سيعتمدها ممثلو الفريقين في الدفاع عن مصالحهما، حيث أن اللجنة التنفيذية وفضلا عن قرار إلغاء نهائي الإياب، أحالت الملف على اللجن المختصة لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المخالفين لأحكام قوانين الجهاز الإفريقي، بناء على دراسة تقريري حكمي المباراة ومندوبها. فإن ما وقع يوم 31 ماي وما ترتب عنه من قرارات، لم يكشف فقط عن الواقع المتعفن داخل الاتحاد الإفريقي، بل كذلك عن حقائق صادمة لبعض الشخصيات التونسية التي لا يهمها عدا تحقيق مآربها الذاتية والحزبية الضيقة، عوض التصدي لمظاهر الفساد المتفشية في اتحاداتنا الكروية والعمل على تطوير كرة القدم الإفريقية والنهوض بالأندية والمنتخبات الرياضية.

من هنا يجدر بنا نحن المغاربة والتونسيين الأشقاء استحضار حسن الجوار وروابط الصداقة والتعاون التي تجمع بين بلدينا، وألا ننساق خلف انفعالاتنا، ونمنح الفرصة لمن يريدون تحويل "نزاع" رياضي عابر إلى فتيل لإشعال أزمة دبلوماسية، لسنا ولن نكون أبدا مستعدين إليها.



اسماعيل الحلوتي