من المؤكد أن هناك عوامل عديدة تظافرت لخلق إنسان مغربي ، نهاية الألفية الأولى إلى بداية الألفية الثانية ، هو غير إنسان السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، حيث كانت المؤسسات المربية في أوج عطائها، بداية من الأسرة والمدرسة وانتهاء بالمجتمع والميديا قبل انفجار الطفرة الرقمية التي واكبت تحولات سوسيواقتصادية عميقة ؛ دمرت بالكاد تلك الوشائج التي كانت تربط بين حلقات هذه المؤسسات، أو بالأحرى لتساهم في تفكيكها وتعطيل أدوارها ، فأضحى ؛ في ضوئها ؛ الإنسان المغربي الحالي وخاصة المنتمي لأجيال التسعينيات من القرن الماضي حتى الآن إنساناً بشخصية أخرى... سنحاول في هذه الورقة رصد بعض الآراء والمواقف تجاه هؤلاء المغاربة والمغرب عامة من لدن الإنسان الأجنبي السائح/الزائر؛ دون أن نغفل عن وجهات نظر المغاربة بالمهجر .

وجهات نظر مغتربين بالمغرب 

      عبرت جملة من السياح ممن تم استجوابهم عن إعجابهم وافتتانهم بالطبيعة الجغرافية المغربية وتنوعها الإكولوجي ؛ بقممها وينابيعها وصحاريها وغاباتها ، كما سجلوا انبهارهم بالمآثر التاريخية من خلال القصبات والأفنية ، وأسواقه ومطاعمه التقليدية ومناراته وحدائقه ... ومعالم من تراثه الحضاري كالمساجد والمدارس العتيقة ... لكن البيئة العمرانية داخل المدن تشهد معظمها برأيهم  ظاهرة القذارة والأوساخ التي تؤثث الشوارع والأزقة ، وتخص بعض زواياها بنفايات مكشوفة ، يصاحبك مشهدها حتى وأنت بصدد نزول منحدر، في طريقك إلى ضفة نهر أو شاطئ.. 

تناقضات متساكنة بالجملة

      يلاحظ الزائر؛ أيا كان مواطنا أو أجنبياً ؛ وجود ظاهرة فارقة في العديد من الحواضر والمدن تتمثل في تساكن الفقر المدقع إلى جوار الغنى الفاحش ، والجودة جوار الرداءة والأحياء القصديرية ذات البيئة الريفية حذاء الأحياء ذات الطراز الحداثي الراقي ، مع ما يميز كل منها من مرافق ؛ تعلق الأمر بالأسواق الشعبية ذات الأفرشة الأرضية أو مركبات الأسواق المسجلة ، وفي مجموعها تترجم إلى حد بعيد الفوارق الطبقية الفجة التي تفصل بين مغربي يسكن في السحاب والأعالي لا يُرى بالكاد ، وبين آخر يسكن الحضيض ويعتاش على فضلات الأول ! 

 نظرة متأثرة بالإدارة المغربية

      لدى افتحاصنا لعينة من آراء المغاربة والأجانب القاطنين بالدول الغربية ، لاحظنا أن وجهات نظرها متأثرة إلى درجة كبيرة بالسلوك الإداري الذي يصفه معظمهم ”بالمتعفن” والمبتز أو القائم على الزبونية وعدم احترامه لحقوق الإنسان ، ويسمون الإدارة عموماً بأنها جهاز ”مخزني” يتغذى على النصب والاحتيال والميز الطبقي ، ويشكل عائقا في وجه عجلة التنمية ، وفي ذات السياق تركزت آراء آخرين على السلوك الفج والعدواني أحياناً والذي يتقاسمه المغاربة فيما بينهم خلال استعمالهم للمرافق العمومية وقيادة السيارات وما تخلفه من حوادث تتصاعد مؤشرات حدتها باستمرار، ومنهم من يربط بين هذه اللامبالاة والتسيب ”بقلة التربية ” والنظرة الاستهتارية بالقانون والنظام العام . 

 صورة المغرب من منظور سياسي 

       أجمعت عديد من الآراء لساسة وإعلاميين على أن هناك نظرة ”حسد وعداء” ، كثيراً ما تشوب آراءنا تجاه المغرب ، نتيجة لتظافر أحداث سياسية عديدة في مقدمتها ”الربيع العربي” الذي هز عروش دول عربية كثيرة ، ولم ينل من ”صلابة وتماسك” النظام السياسي المغربي ، هذا فضلا عن الأجهزة الأمنية اليقظة ، التي كانت دوماً بالمرصاد للعمليات الإرهابية أو مجرد الشروع في قيامها داخل الأراضي المغربية ، هذا إلى جانب الهيجانات والمظاهرات الشعبية ، والتي لم تنل من عزم وجبروت ”الآلة الأمنية” في مجموع التراب الوطني ، وإن كان بعضهم يرجع بأسبابها إلى تركيبة الشعب المغربي المجبول على الصبر والأناة وقوة التحمل... حتى إنهم رفعوه إلى مصاف الشعوب الأكثر تحملا وصبرا على البلاوي .. إلى جانب عامل عدم الثقة التي يستشعرونها فيما بينهم كنتيجة حتمية لسياسة الاختراق التي تنهجها السلطات الأمنية حيال المنظمات والهيئات والجمعيات الحزبية والنقابية والإعلامية ، هذا دون أن نغفل ما للميديا الأجنبية من تحامل على المغرب وتسويقه بصور مغرضة. 

 

لكن من منظور اقتصادي صرف ، تكاد تجمع عينة من الآراء على أن المغرب محاور ضعيف الشخصية بالمحافل الدولية ؛ يعطي أكثر مما يأخذ ، ويستدلون بالاتفاقية والشراكة التي تربطه بالاتحاد الأوروبي في مجالات الصيد البحري والمنتجات الفلاحية .. حيث يقبل بتسويق سلعه بأسعار جد منخفضة ، ولا يناله منها مواقف سياسية مساندة ، تجاه قضيته الصحراوية أو دعم تحملاته بخصوص إيوائه لموجات الهجرة الإفريقية غير الشرعية العابرة لأراضيه... أو مساهمتها في تخفيض كلفة البطالة ، ومن ثم وجدت بعض الجهات في هذه النظرة مدخلاً للاستخفاف بالمغربي والدوس على حقوقه ، ولعل التظاهرات الرياضية التي ينظمها أو يشارك فيها تعتبر أبرز مثال على النظرة الدونية التي يحملها الأجنبي عن المغرب ، حتى ولو كان ينتمي إلى دول الساحل.     



عبد اللطيف مجدوب