يتفق الجميع على أن دول الخليج باتت في وضع لا تحسد عليه، والدول العربية الأخرى أيضا في وضع لا تحسد عليه منذ زمن بعيد، وعليه، فإن السكوت أفضل من التخوين، فلا يوجد بيننا خائن، ولو أن دول الخليج قادرة على الالتزام بمساعدة العرب لما تأخرت، ولكنها واقعة في الخطر، وقد كان العرب في هم واحد وهو تحرير فلسطين، فأصبحوا اليوم خائفين من احتلال المزيد من البلدان العربية، ولا يجوز أن يهتم الانسان بقضيته مغفلا قضايا الآخرين.

على أية حال، فالعرب ضعفاء منذ فجر التاريخ، وعندما انتصر الغرب في الحرب العالمية الأولى، تقاسموا الدول الضعيفة فيما بينهم، ولم تنل تلك الدول الاستقلال إلا بعد أن سلمت أمرها للدول الإمبريالية وتولت زعامة بلادها بشكل صوري وليس فعليا. إذ أن الدول الاستعمارية تريد الاقتصاد ولا تريد أن تحكم أقواما تفشى الجهل بينهم وغير قادرين على إدارة بلدانهم بفعالية كما تفعل اليابان وكوريا وماليزيا وغيرها، ويكفيها أن تنصب زعامات عربية تكون رهن إشارتها وتقوم بأعمال استخباراتية لها وتعطيها جزءا من ثرواتها وتفتح لها أسواقها لتبيع منتجاتها، ولا داع للبقاء فيها، فصدق العرب أنهم مستقلون وصاروا يحتفلون بأعياد الاستقلال كل عام وهو وهم جميل لا يريدون التخلي عنه.

فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فالحال لم يتغير، فالعرب لم يساعدوا الفلسطينيين بشيء سوى المال، ولم يدفعوا عنها أي عدوان ولم يكن لهم دور فاعل أثر تأثيرا عمليا على القضية الفلسطينية، وسواء وافقوا أم لم يوافقوا على صفقة القرن، فهذا ليس له قيمة، والخلاصة أنه لا يوجد مبرر لاتهامهم بالخيانة. ولن يحمل القضية الفلسطينية إلا أصحابها وهكذا كان الوضع منذ احتلال فلسطين، باستثناء حرب عام 1967 التي استبسلت فيها مصر وسوريا والأردن فهزموا واحتلت أراضيهم، وحرب أكتوبر 1973 التي لم يهزم العرب فيها ولكنهم لم يحققوا أهدافهم.

إن مشكلة العرب هي الضعف، وليس النذالة أو الخيانة، وعلى الرغم من امتلاكهم لأسلحة فتاكة، ولكنهم لا يصلون إلى مستوى أعدائهم، لماذا؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يحتاج إلى إجابة. وأمامنا مثال حي وهو باكستان التي هزمت ثلاث مرات أمام الهند ولكنها سرعان ما طورت أسلحة نووية وأصبحت قوية ويحسب لها ألف حساب على الرغم من القنبلة السكانية والفقر والفساد.

ليس أمام الفلسطينيين سوى العودة إلى حقبة السبعينات حيث أثبت الفلسطينيون وجودهم  وأهمية قضيتهم  بعدة أساليب. ولم لا؟ فالفلسطينيون يملئون العالم في دول الشتات ولديهم كفاءات عالية جدا وهناك أشخاص من الذكور والإناث على أتم الاستعداد للانخراط في العمل النضالي، وكل ما يحتاجونه هو قيادة متميزة تخطط جيدا وتدير الأعمال وليس بضعة شخصيات مفتونون بالثقافة الغربية ويرددون كلمات مثل الحوار والتفاوض وعدم العنف وهي الكلمات التي أثبتت أننا أغبياء وقمنا بالتفاوض منذ اتفاقية أوسلو 1993 بلا جدوى. 

لا يوجد لدى الفلسطينيين ما يخشون ضياعه، فالأرض ضاعت والمساعدات المالية توقفت ووكالة الغوث ألغيت واللاجئون في الدول العربية محتقرون ومهمشون واليوم ألغي حق العودة والتفاوض أستنفذ مداه ثم تبين أنه مصيدة وقع الفلسطينيون فيها وخسروا احترامهم، فليس أمامهم اليوم سوى العودة إلى السبعينات من القرن الماضي حين تألق الفلسطينيون في أنحاء العالم وجذبوا اهتمام العالم إلى قضيتهم، فالشهداء يموتون يوميا ولكن دون إحراز أي تقدم أو تحقيق أي هدف، فماذا ينتظرون؟

سهى الجندي