في منتصف تسعينات القرن الماضي، اقتنع نظام الملك الراحل الحسن الثاني أخيرا بضرورة ولوج الباطرونا المعترك السياسي وتبوئها مكانة سياسية داخل مؤسسات الدولة. ولعل مرد هذا الاقتناع يعود إلى عدة عوامل من أهمها:

- المكانة التي أصبحت لاومنيوم شمال إفريقيا (ONA) وطبيعة العلاقات التي تجمعها بالشخصيات النافذة في النظام.

- متطلبات العولمة وما فرضته من تغيير على البيئة الاقتصادية للدولة.

- انعكاسات التقويم الهيكلي.

لذا، فإن استقبال الملك الراحل الحسن الثاني لرئيس الكونفدرالية السابق وإلحاحه على ضرورة إعادة هيكلتها التنظيمية كان يتماشى والنظرة الجديدة التي أصبح ينظر بها النظام إلى دور الكونفدرالية داخل الساحة السياسية بالمغرب. كما أن التعديل الدستوري الذي ينص على ضرورة إعادة تجربة المجلسين (مجلس النواب ومجلس المستشارين) وأن تكون طريقة انتخابها بشكل مباشر، كان يسير هو أيضا وفق الإطار العام لهذا المنظور الجديد للسلطة. كما يمكن أن نضيف إلى هذه العوامل البنيوية عاملا ظرفيا تمثل في حملة التطهير التي شنتها السلطة وطالت بعض رجال الأعمال، والتي جعلت الكونفدرالية تقتنع بضرورة أن تبادر لدخول المعترك السياسي.

وهكذا، اتخذ ولوج الباطرونا المعترك السياسي عدة أبعاد تمثلت خاصة من خلال المظاهر التالية:

أولا: المراجعة الدستورية

إن التعديل الدستوري الذي تقرر عرضه على الاستفتاء الشعبي في 13 سبتمبر 1996 قد سجل أول بوادر دخول الباطرونا المعترك السياسي بشكل رسمي ومباشر. وقد تجلى ذلك على الخصوص من خلال دعوة الكونفدرالية العامة للمقاولين المغاربة أعضاءها للتصويت بنعم على مراجعة الدستور. وقد اكتست هذه الدعوة أهمية رئيسية وذلك لعدة أسباب من أهمها:

- أنها كانت تمثل دعوة صريحة من طرف الباطرونا للمشاركة السياسية، الشيء الذي يختلف مع مواقفها السياسية التي اتسمت عامة بالتستر والحذر.

- أنها كانت تمثل قبولا بالهيكلة الجديدة التي ينص عليها الدستور المراجع، وبالتالي فهي قبول بالمشاركة في المؤسسات التي ستتولد عن هذا الأخير من مجلس استشاري وما يستتبع ذلك من انتخابات.

وهكذا، فإن الاستحقاقات القادمة شهدت تقدم أعضاء من الكونفدرالية للترشح والمشاركة كنواب داخل مجلس المستشارين، بما يمثل ذلك من قطاعات اقتصادية مهمة تقدر بـ:

1500 منشأة اقتصادية منظمة.

22 فيدرالية اقتصادية.

7 اتحادات جهوية

ثانيا: المشاركة في الحوار الاجتماعي

لقد سجلت سنتا 1994 و1995 مجموعة من اللقاءات بين الكونفدرالية وممثلي النقابات لإيجاد حلول عملية لاستفحال الوضع الاجتماعي الذي تعرفه البلاد نتيجة الانعكاسات السلبية للتقويم الهيكلي وآثار الجفاف على الوضع الاقتصادي العام وتراجع وتيرة النمو الاقتصادي. وإذا كانت هذه اللقاءات مع ممثلي النقابات عكست انشغال الباطرونا بالمشاكل الاجتماعية، فإن هذا الانشغال لم يتأسس إلا في فاتح غشت 1996 وتدشين ما سمي بالحوار الاجتماعي. وهكذا قبلت الباطرونا لأول مرة بأن تجلس إلى طاولة المفاوضات إلى جانب الحكومة والنقابات لتدارس مشاكل الشغيلة المغربية لتصبح شريكا رئيسيا في عملية تحديد السياسة الاجتماعية للبلد. ويرجع السبب في اقتحام الباطرونا لهذا المضمار إلى العوامل التالية:

- إدراك الباطرونا أن الحكومة لم تعد قادرة على تلبية كل المطالب العمالية.

- انتقاد الباطرونا للسياسة المنتهجة من طرف الحكومة في التعامل مع المطالب العمالية التي تركز على الهاجس الأمني والنظرة القطاعية.

- اهتمام الباطرونا بتحقيق نوع من التوافق مع الشغيلة للرفع من قدرتها التنافسية. وهكذا صرح عبد الرحيم الحجوجي في برنامج تلفزي بالقناة الثانية في أكتوبر 1996 بأن الجميع أصبح اليوم مقتنع بضرورة الانكباب على القضايا الحقيقية، وأن الدفاع عن تنافسية المقاولة ينبغي أن يكون محط انشغال كل الفرقاء...

- اهتمام الباطرونا بإعادة النظر في مدونة الشغل، وخاصة فيما يتعلق بالمقتضيات التي تهم "مرونة العمل" والحقوق العمالية، وذلك لضمان تنافسية المقاولات المغربية.

وهكذا، أكد رئيس الكونفدرالية في البرنامج التلفزي نفسه أنه "لا يجب أن ينظر إلى هذه المرونة في العمل كمصيبة من السماء، لكن ينبغي النظر إليها كضرورة لتمكين نظامنا التشريعي من منافسة الجهات الدولية (...) كما أن هذه المرونة لا ينبغي النظر إليها كتأشيرة للمقاولة لتسريح العمال، لكن كوسيلة تسمح لها في أوقات معينة من إعادة ترتيب نفسها حتى لا تفقد قدرتها التنافسية".

ثالثا: المشاركة في إعداد ميثاق الشرف

إن حملة التطهير التي شنـتها السلطة، والتي كانت في البداية بمباركة رجال الأعمال، جعلت الكونفدرالية تتحرك من أجل توقيف هذه الحملة نتيجة الانعكاسات السلبية التي ترتبت عنها، والتي تمثلت خاصة في:

- التجاوزات والخروقات التي طبعتها.

- تأثيرها السلبي على المقاولين.

- ملاحقة بعض رجال الأعمال واعتقال بعضهم.

لكن بالإضافة إلى ذلك، فقد كان تحرك الكونفدرالية نتيجة لوعيها بالمرامي البعيدة التي تمثلت في الأبعاد الثلاثة الرئيسية:

- الضغط الأوروبي الذي كان وراء هذه الحملة.

- القصور التنظيمي والقانوني الذي يطبع الترسانة الجمركية المحلية.

- ظهور عزم الدولة على مواجهة التهريب وتطبيق اتفاقية الشراكة مع أوروبا، لهذا قامت الكونفدرالية بالمشاركة في التوقيع على ميثاق الشرف (AGREEMENT GENTLEMS) الذي التزمت فيه الحكومة والكونفدرالية باللجوء إلى أساليب جديدة للتعامل فيما بينهما.

وبهذا التوقيع تكون الباطرونا قد تقدمت خطوة أخرى في دخولها المعترك السياسي.

 

د.محمد شقير