ليس كل ما تفكر فيه إيران سيجد طريقه إلى التنفيذ. فالبلد الذي يواجه خطر وقوع حرب ستشل الجزء الأكبر من قدرته العسكرية لم يعد يملك أوراقا مخفية ليلعبها في صراعه مع الولايات المتحدة.

كل الأوراق التي تملكها إيران باتت مكشوفة. ومن سوء التقدير لدى البعض أن يتوقع أن الولايات المتحدة بكل تفوقها العسكري والتقني يمكن أن تتجه إلى حرب غير مدروسة، يمكن أن تعكر المفاجآت مزاج القائمين عليها.

منطقيا فإن تلك الحرب إن قامت فإن الهدف الأساس منها سيكون تنظيف المنطقة من نفايات إيران ومنع إيران من الهيمنة غير المبررة التي عطلت دولا وأفشلت حكومات وأهدرت عبثا ثروات ودفعت شعوبا إلى حافات اليأس المطلق ونسيان سبل الحياة المعاصرة.

ستقوم الحرب من أجل المنطقة لا عليها. وهو ما يسعى أتباع إيران إلى أن يضعوه خلف ظهورهم وهم ينشرون الهلع والخوف بين صفوف عامة الناس حين يتحدثون عن عصف الحرب القادمة التي لن تفرق بين إيران وسواها ممن تورط في لحظة ضعف في الظهور بمظهر العاجز عن مقاومة المد الإيراني.

ناهيك عن أن الحرب بالوكالة كانت قد انتهت حين اعتبرت الولايات المتحدة كل طرف يلحق ضررا بمصالحها أو قواعدها العسكرية جزءا من المنظومة العسكرية الإيرانية.

فإذا ما كانت هناك ميليشيات ستقاتل إلى جانب إيران فإن الرد عليها سيكون بحجم الرد على النيران الإيرانية. ذلك يعني أن تلك الميليشيات ستحكم على نفسها بالفناء السريع. لذلك يُخيل إلي أن الأذرع الإيرانية في المنطقة ستختار الانتظار فيما لو تعرضت إيران إلى ضربة متقنة في اختيار هدفها.

كل الحديث عن حرب استباقية يمكن أن تشنها ميليشيات إيران هو مجرد هراء. لا لأن تلك الميليشيات لا ترغب في أن تكون ضحية التسويات التي ستخفض من سقف آمالها حسب بل وأيضا لأن النظام الإيراني وقد أدرك كيف يزن الأميركان ما يجري لا يريد أن يدفع ثمنا مسبقا لتصرفات عبثية لن تجعله في منأى عن مواجهة حرب، قد تؤدي إلى سقوطه.      

التهديد بحرب بالوكالة صار جزءا من الماضي.

تلك فقرة مهمة قد تم اسقاطها من الأجندة الإيرانية. ما كان الإيرانيون يرومون القيام به باعتباره خطوة استباقية في حرب، كانوا يخططون لها أن تكون طويلة الأمد قد وضعه الاميركيون في حسابهم وكانوا واضحين في طرح طريقتهم في التعامل معه.

كان على إيران أن تفهم أن حفلة جنونها لابد أن تكون لها نهاية.

لذلك لم يكن مستغربا أن الولايات المتحدة قد ادركت أن وضع نهاية لتلك الحفلة لن يكون إلا في طهران. في ضرب رأس الأفعى ما يضمن الانتهاء من كل أجزائه.

هي المرة الأولى التي تضع الولايات المتحدة نفسها في خدمة السلام والأمن في المنطقة. وهو ما لم تتوقعه إيران وما لم تحسب له حسابا.   

لقد خطط الإيرانيون لملهاة فإذا الوقائع تنبئ بمأساة.

وهو ما يجعلني أتوقع أنهم سيقبلون بضربات انتقائية. بعدها سيكونون جاهزين للتسويات. وهي تسويات تشمل بالدرجة الأساس مسالة التخلص من أتباعهم في المنطقة. وهي مسألة سيستغرق تنفيذها وقتا طويلا، ستكون إيران من خلاله جاهزة لإعادة تأهيل نفسها باعتبارها دولة. لن تخرج إيران من هذا النزاع سالمة إلا إذا تخلصت من وصايتها العقائدية. فالعالم ليس مستعدا لتكرار الصراع معها بعد عشر سنوات على سبيل المثال.

ستكون إيران دولة دينية، لكن ضمن حدودها.

هل أبدو متفائلا؟

من وجهة نظري فإن ملالي إيران سيفضلون بقاءهم في السلطة على المجازفة بفقدان تلك السلطة حين يزجون بأنفسهم في مغامرة تحدي العالم.