تُوجد، منذ سنوات، خمسة مشاريع قوانين بالغة الأهمية في البرلمان لم تنهِ بعدُ المسطرة التشريعية بشكل عادي، بسبب الخلافات بين الفرق البرلمانية. وكنتيجة لهذا الوضع، أصبحت بعض مقتضيات الدستور غير مفعلة، إلى حد الساعة.

النسبة الأهم من هذه القوانين توجد بمجلس النواب؛ فهو الذي يعتبر المرحلة الأولى لأغلب مشاريع القوانين بعد مصادقة الحكومة عليها، قبل وصولها إلى مجلس المستشارين وعودتها إلى النواب قبل صدورها في الجريدة الرسمية، لتدخل حيز التنفيذ.

يتعلق الأمر بثلاثة مشاريع قوانين تنظيمية متعلقة بالأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية إضافة إلى ممارسة حق الإضراب، ناهيك عن مشروع قانون إطار يتعلق بمنظومة التربية والتكوين، وأخيراً مشروع قانون التغطية الصحية للوالدين.

عرقلة تفعيل الدستور

تعدّ القوانين التنظيمية إحدى الحلقات المهمة في تفعيل الدستور الذي وافق عليه المغاربة سنة 2011، فهي تعتبر قوانين مكملة له؛ وهو ما يعني أن تأخر مصادقة البرلمان على هذه القوانين بمثابة تأخير لتفعيل دستور مر على اعتماده ثماني سنوات إلى حد الساعة.

القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يُراد منه تطبيق مقتضيات الفصل الخامس من دستور المملكة، والذي نص على أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة المغربية لأول مرة إلى جانب اللغة العربية، وهو مطلب رفعته الحركة الحقوقية والأمازيغية منذ مدة.

تعود إحالة هذا القانون، الذي يحمل رقم 26.16، على مجلس النواب إلى 30 شتنبر من سنة 2016 بعدما صادقت عليه حكومة عبد الإله بنكيران في آخر أيامها، واليوم تمر ثلاث سنوات دون بدء مناقشته الفعلية داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال، والسبب: اختلاف وجهات نظر الفرق البرلمانية بخصوص مضامينه، وحزب العدالة والتنمية يقود حرباً ضروساً ضد اعتماد حرف تيفيناغ.

أما مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، ويحمل رقم 04.16، فهو أيضاً يراد منه تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور؛ فهذا المجلس سيكون له دورة في حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثاً أصيلاً وإبداعا معاصراً.

أُحيل هذا المشروع على مجلس النواب هو الآخر في 30 شتنبر من سنة 2016، وأحيل على لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، ويشترك هذا القانون مع قانون الأمازيغية في عدم حصوله على توافق مختلف الفرق البرلمانية.

أما مشروع القانون التنظيمي الثالث، فهو لا يقل أهمية، فهو الآخر يُراد منه تفعيل مقتضيات الفصل الـ29 من الدستور والذي يُحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في المملكة؛ لكن غياب التوافق حوله بين الحكومة والنقابات وأرباب المقاولات جعله هو الآخر مقبوراً إلى حين.

هذا القانون التنظيمي سيُغير معنى الإضراب في المغرب بغض النظر عن مضامينه الإيجابية والسلبية، وكثيراً ما طلبت النقابات المركزية من الحكومة ضرورة حصول التوافق حوله قبل الشروع في مناقشته، والحصيلة: التوافق لم يحصل والمناقشة متوقفة، وقد يكون هذا هو التوافق أصلاً.

إصلاح التعليم مؤجل

عاشت قطاع التعليم على مدى عقود من الزمن على وقع إصلاحات كثيرة كلفت الدولة ميزانيات ضخمة؛ لكن المسعى لم يتحقق، واليوم تعود الحكومة ببرنامج إصلاح جديد تعلق عليه آمالاً وضعته في مشروع قانون إطار يحمل رقم 51.17.

هذا القانون الإطار، الذي جرت المصادقة عليه بداية 2018، كان المسعى منه تنزيل الرؤية الإستراتيجية لمنظومة التربية والتكوين 2015-2030؛ لكن مرحلة الرؤية انقضت منها أربع سنوات إلى حد الساعة، ولم تتم المصادقة على قانونها من طرف البرلمان.

حكاية تعثر هذا القانون سيذكرها تاريخ البرلمان دائماً، فقد كان مبرمجاً أن تتم المصادقة عليها في دورة استثنائية بداية أبريل المنصرم؛ إلا خروجاً لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، عبر "فيسبوك" كان كافياً ليدخل هذا القانون إلى المقبرة.

حديث بنكيران، عبر صفحة في موقع التواصل الاجتماعي سالف الذكر، كان صريحا؛ فقد دعا كل برلمانيي حزب العدالة والتنمية للوقوف ضد هذا القانون، لأنه ينص على تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية، ليتأجل اعتماده إلى أجل غير مسمى بعدما تأجج الخلافات حوله.

قانون رضا الوالدين

في عهد الحكومة السابقة، جرت المصادقة سنة 2016 على مشروع قانون 63.16 يغير ويتمم القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، ويتيح هذا القانون لأم أو أب المؤمن الاستفادة من التغطية الصحية.

كانت حكومة بنكيران قد قدمت مشروع قانون 63.16 ضمن أبرز القوانين التي اعتمدتها، فهو سيشمل الوالدين بتغطية صحية شرط تحمل الاشتراكات من طرف الجميع وبشكل تعاضدي؛ لكن إلى حد الساعة لم يخرج القانون من نفق البرلمان، بسبب الخلافات حوله.

والسبب وراء هذا التأخر هو معارضة بعض النقابات لمقتضياته؛ لأنه يفرض على جميع الموظفين والمتقاعدين في القطاع العام اقتطاعات جديدة من أجورهم ومعاشاتهم، سواء كان آباؤهم أحياء أم متوفين.

المؤيدون للقانون اعتبروا الرافضين له "مساخيط والديهم"؛ لكنهم يدفعون عنهم هذه التهمة الثقيلة في مجتمع كالمغرب، ويؤكدون أنهم يطالبون بأن تكون التغطية الصحية للوالدين "اختيارية" وليست "إجبارية"، لكن بين الطرفين يبقى القانون عالقاً في مجلس المستشارين إلى حين غير مسمى.

مسؤولة الحكومة أم البرلمان؟

تُلقى المسؤولية في عرقلة كل هذه القوانين المهمة على الحكومة والبرلمان معاً، أي على الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي والممثلة في البرلمان، ولا فرق هنا بين السلطة التنفيذية وبين السلطة التشريعية؛ لأنها في الأخير تشتغل بممثلين عن مختلف الأحزاب.

أغلب هذه القوانين معرقلة بسبب حسابات سياسوية محضة، ويجعل تأخر اعتمادها هدراً للزمن السياسي. كما أن لهذه القوانين آثاراً على المواطنين بشكل مباشر؛ لأنهم لا يستفيدون من حقوقهم الثقافية، ولا يصلون إلى تعليم جيد للجميع، ولا يستفيد الآباء من تغطية صحية.