اسم المرأة بالمجتمع مواكب لاسم الرجل، وهما صنوان من وظائف الحياة البشرية، يتحملان الواجب والمسؤولية نحو بعضهما في بناء الاسرة والمجتمع .

وفي الحياة البشرية المرأة لها حرمتها من المجتمع ومن الزواج والأبناء، اذ يحصن الزواج عرضها من الحياة العامة ويصون شرفها بالمجتمع، كما يمنحها الشرع رعاية حياة أبنائها من بيت الزوجية، في أحضان الزواج من الشرع .

وعبر عهود من حياة البشرية فإن للمرأة ذكر، وشأن من الحياة والنجب، حيث تسهر على خدمة زوجها وأبنائها بالبيت من الصغر والكبر .

وعهد بناء الاسرة بالمجتمعات الحديثة، أصبحت خدمة المرأة بالمجتمع مرادفة لخدمة الرجل من الوسط العام، وتطورت خدماتها من شؤون البيت وأهله، الى الشأن الاجتماعي والمساهمة في تطوير بنياته .

ويرجع الرفع من مستوى حياة المرأة في المجتمع، الى عوامل بشرية دعت اليها الحاجة الاجتماعية، لمواكبة الانفتاح الاجتماعي على المحيط الدولي، والسعي الى تربية أبنائها تربية اجتماعية، بديلة عن تربية الحياة الأهلية ، وأيضا من وجهة مواكبة تطور الحياة النشيطة للمرأة المعاصرة من الساحة الدولية، ذلك ما استوجب التغيير في المعاملة نحوها من المجتمع، ومواكبة جهودها لحياة الأجيال التي تنشد التطور المتسارع في المجتمع، بعقلانية اجتماعية متزنة تكتسب منها المرأة الشخصية السوية بشخصية الرجل في بناء الاسرة والمجتمع .  

المرأة ما قبل الحقبة الاستعمارية :

كان المجتمع من أوله مجتمعا زراعيا يحكمه النظام الاسلامي، يعيش على وقع هاجس المطاردة والتهديد من الهيمنة الاستعمارية، وفي وضعية ضيق اجتماعي من الحصار الدولي لقبول الأمر الواقع من الاحوال الاجتماعية، قصد الخروج من دائرة الانكماش الزراعي، الى حياة العصر الصناعي، وتعزيز الجانب الروحي من الحياة العامة، بالعمل والكسب المادي من المجتمع، في حلة جديدة

الحياة الشرعية بالمجتمع :

بني المجتمع من منظومته الشرعية، على نظام الاسرة وحياة الجماعة من وقتها، إذ يعيش على نظام الشريعة الاسلامية، داخل الأسوار المحروسة بالمدينة، وحياة الترحال خارجها متنقلا بين مناطق الرعي والماء، والتسوق من الحواضر عبر المبادلات الانتاجية الجارية بالمقايضة .

وخلال تلك الفترة كانت المرأة يحكمها نظام الشرع الذي يحافظ على حرمة المرأة والنسل من بيت الزوجية، إذ كانت الحرية محروسة خوفا على حياة الأهالي من الاختلاط، الكل من ساكنة البلد يلزمون مساكنهم في الحل والترحال، حيطة من وجود الأجنبي .

ومن تم كانت المرأة تعيش من تربيتها تحت وصاية وليها، وحين الزواج تنتقل الوصاية عنها الى زوجها، حيث تقضي حياتها مع أبنائها بالبيت، معفاة من الخدمة خارج البيت، الا لظروف الترمل، أو الفقر المدقع الذي يدفع المرأة للخدمة بالبيوت مقابل القوت اليومي للأطفال .

ومن الوجهة الاجتماعية كان مسموحا بالتعدد من الزوجات، صونا لحرمة المجتمع من تفشي الفساد، الذي ينتج عنه وأد الأطفال ورميهم أحياء الى الشارع، عهد تفشي الظاهرة العرضية، خارج الحياة الزوجية .

المرأة حقبة الحماية :

عهد سريان نظام الحماية على المغرب من الحقبة الاستعمارية، دخلت البلاد في مرحلة جديدة من تاريخها، حيث أصبح الى جانب النظام المخزني الذي يمثل الشريعة الاسلامية، نظام إداري معاصر تتولاه إدارة الحماية من إعادة هيكلة الحكم ولحاقه بالركب الدولي

وخلال تلك الحقبة بدأ المجتمع وساكنته، يتحول نحو الحياة الجديدة بمقوماته الدنيوية والدينية، حيث بدأت تلوح بالأرضية الاجتماعية عوامل الاستقرار السكاني، بدل حياة القبلية والترحال، وأصبحت المرأة في حالات استثنائية تتطلع الى الحياة خارج البيت بالوسط العام، والهروب من حياة الأهل متنكرة لطلب الخدمة من اسم مستعار، يبعد الشبهة والنعوت المشينة عن أهلها ونسبها، أو تلجأ الى الزواج خارج محيط الاسرة، مما يجعلها تعود بالأبناء الى أهلها، أو تعيش معزولة من الأهل مع أبنائها .

ومن خروج المرأة الى الخدمة بالساحة العمومية، اشتغلت في الفلاحة، وفي البيوت مع الجالية الأوربية، وفي إعداد موائد الخبز وجرة الحساء لأجل بيعه بالسويقات الحضرية والساحات العمومية، وبيع حليب الأبقار بالدروب الحضرية، وغزل الصوف للحياكة، الى جانب الحرف اليدوية، والخياطة العصرية، فضلا عن الاشتغال بالطرب من الأفراح والمناسبات العائلية، الغ ذلك مما يسمح لها بالعيش من الوسط السكاني، والاندماج الاجتماعي .

المرأة من عهد الاستقلال :

حين حصل المغرب على الاستقلال، خلعت المرأة رداء الحياكة، وارتدت الجلباب، وانطلقت في الحياة الاجتماعية من منطلق جديد، سلكت فيه درب العلم والعمل، حيث أخذت بيد أبنائها نحو المدرسة لطلب العلم لا فرق بين ابن، وبنت، الكل يتعلم ويأخذ نصيبه من العلم والعمل .

ومن تم سارت المرأة بدافع من الرجل، شريكة في الحياة العامة، تخطو من الحياة الاجتماعية خطوات مدروسة بالعلم والتطور، مما يجعلها تحظى في المجتمع بالحظوة اللائقة تعاضد الزوج، وتهذب الأبناء، وترقى بالحياة من البيت والمجتمع .

لذلك تعلمت في المدرسة، وأصبحت تمارس المهام المجتمعية بالعلم من الساحة العمومية، ومن المؤسسات والمراكز الادارية، وبالحياة البرلمانية والمصالح الحكومية .

تشتغل بالدوائر العمومية من الليل والنهار، لا تخشى لا على شخصها، ولا على بيتها، ولا على عملها، تساير مجتمعها، وتشكل جزءا من الجالية خارجه، إن من علم أو عمل بالمؤسسات الدولية، يحدوها التطلع لأن تكون في المستوى المطلوب والدولي المرغوب، الذي يميز شخصيتها أين ما أحلت وارتحلت، لتضفي على حضورها الصورة النموذجية للمرأة المغربية .



محمد حسيكي