قبل أن يخرج المتظاهرون فرادى وجماعات يوم 22 فبراير 2019، كان معظم الجزائريين ساخطين من الوضع المتردّي الذي أصبحت تعيشه الجزائر لاسيما بعد إصابة الرئيس بوتفليقة سنة 2013 بجلطة دماغية، وصراع العصب الذي لم يعد خافيا، وكانت صورة الجزائر في العالم المسوقة مع الأسف الشديد في وسائل الاعلام المحلية والدولية مختصرة في وضع بوتفليقة وهو على كرسي متحرك.

لقد تعاظم الفساد في فترة مرضه، وتضاربت المصالح، واحتار المواطن في تلك القرارات التي كانت تصدر من حين لآخر، ولم يجد تفسيرا شافيا لها وبقي يطرح السؤال بإصرار: من يعين ومن يقيل في الجزائر وما الذي يجري؟

وصدم الجزائريون والجزائريات من تعيين شخص على رأس وزارة السياحة وإقالته في مدة لا تزيد عن 48 ساعة، اضافة الى تعيين عبدالمجيد تبون على رأس الحكومة. هذا الأخير أعلن أنه سيحارب الفساد فإذا بإقالته تنزل كالصاعقة في أقل من شهرين، ناهيك عن اعطاء المشاريع والصفقات هنا وهناك، وآخرتها تصريح مدير الأمن عبدالغني هامل "من يريد محاربة الفساد عليه أن يكون نظيفا"، قبل أن يقال بساعة أو ساعتين.

وزادت خيبة الجزائريين وهم يرون الجزائر تسير الى الأسوأ بعد الأحداث الثلاث التي كانت نذيرا لما هو آت. فحادثة عياش محجوبي في المسيلة، الذي بقي عالقا لأكثر من أسبوع ومات وهو في أنبوب، وحادثة رجل الانقاذ محمد عاشور في البويرة الذي جرفته المياه، وحادثة أصيل بلالطة من برج بوعرريج الذي قتل في الحرم الجامعي ببن عكنون، وهو طالب في كلية الطب، وبدأ السقوط عندما أغلق باب البرلمان بالأقفال.

لقد طرح يوم 22 فبراير، عدة تساؤلات لاسيما وأن هناك أطراف كانت تسعى للوصول الى المرادية عبر طوفان شعبي، وهذا ما يفسره تصريح الجنرال علي غديري علنا في وسائل الاعلام، كما أن هناك أطرافا أخرى كانت تعمل لمنع ترشيح عبدالعزيز بوتفليقة مع بقاء النظام والذهاب بنفس الوجوه قبل أن تؤجل الانتخابات الى أجل غير مسمى.

نفس الأطراف التي كانت تطالب بتطبيق المادة 102 من الدستور هي نفسها من رفضت تطبيق نفس المادة بعد تغيير حكومة أحمد أويحيى، فلماذا يا ترى؟ ونفس الأطراف التي كانت تدعم قيادة الجيش في التسعينيات عندما تم اغتصاب الارادة الشعبية هي نفسها من يرفض اليوم استمرار قيادة الجيش الجديدة، فلماذا يا ترى؟ ونفس الدول التي أعطت الضوء الأخضر للانقلاب على الارادة الشعبية في بداية التسعينيات هي من تعلن اليوم أنها قلقة على ما يحدث في الجزائر وتدق أجراس الخطر، فلماذا يا ترى؟

عندما نبحث في القضية ونتدرج مع كرونولوجيا الأحداث، نتأكد أن قيادة الجيش الحالية كانت مسايرة حقيقة للعهدة الخامسة لأن الذهاب للانتخابات الرئاسية في تلك المرحلة دون بوتفليقة كان سيعطي الفرصة للجنرال علي غديري وغيره من الذين رغبوا في الترشح، من الذين يسيرون في فلك الدولة العميقة. فترشيح بوتفليقة كان الصدمة التي دفعت الدولة العميقة لتخرج ثعابينها للعلن ودفع في المقابل شرائح من الشعب لردة الفعل، التي حتمت على جناح الرئاسة البحث عن مخرج آمن.

فمن المنطق ورغم عملية الاختراق التي أشرت اليها منذ بداية الحراك هناك جانب عفوي من التظاهرات حدث نتيجة للأوضاع التي لمّحت اليها.

ولكن بمجرد أن توسع الحراك وتأكدت قيادة الجيش الجديدة أن زمام المبادرة سيفلت من أيدي الجميع سارعت الى طمأنة الشعب بتفعيل المادة 102 من الدستور، وهو من ما رحبت به شرائح واسعة وزاد ذلك من تعاطف الشعب مع قيادة الجيش. لكن جناح الرئاسة وجد نفسه في مواجهة مع الشعب ومع قيادة الجيش ما دفعه الى ايجاد مخرج عاجل يسمح له على الأقل بخروج مقبول للرئيس بوتفليقة، وهذا ما طالعناه في رسالة الرئيس السابق اليمين زروال التي نشرت في وسائل الاعلام حيث تم الاتصال به لتسيير مرحلة مؤقتة.

غير أن محاولة تنحية قائد الأركان بتواطؤ مع الجنرال توفيق جعل قيادة الاركان تحسم أمرها بسرعة وتقوم بإرغام جناح الرئيس على الخضوع والابتعاد عن السلطة بطريقة مهينة.

إن الفرق يمكن اليوم في أن قيادة الجيش السابقة ممثلة في وزير الدفاع السابق خالد نزار ومجموعته الاستئصالية التي كنت تشتغل معه، مثل الجنرال تواتي وعلي هارون، كانت تسوق على أنها حامية للجمهورية ومنع الظلاميين كما تسميهم من الوصول الى السلطة، وقد وجدت دعما من الخارج والداخل ومن أرباب المال.

بينما قيادة الجيش الحالية ممثلة في قايد أحمد صالح ومن معه، حتى ولو أنها شاركت وزير الدفاع السابق خالد نزار ومن معه في منع الاسلاميين من الحكم ويتقاسمون معه جزء من المأساة، الاّ أنها تصرح اليوم بأنها ترفض استعمال العنف ضد الشعب وترفض أن تسيل قطرة دم واحدة وكانت تصرح في عدة بيانات أنها سترافق الشعب في مطالبه الى غاية تجسيد ارادته الشعبية كاملة غير منقوصة.

كما أن الأغلبية من الشعب اليوم ليست تيارا واحدا مثلما كان الأمر في بداية التسعينيات، وأغلبية الشباب اليوم غير متحزبين وليست لهم نفس الأفكار.

ولهذا: كنا ولا نزال ضد النظام ونريد تغييره بطرح بديل يسع الجميع على مراحل وبطريقة سلمية وحضارية، وليس من المنطق ولا من العقل ولا من الحكمة أن نقف في نفس الصف وفي نفس الخندق الذي وقف فيه الاستئصاليون ضد ارادة الشعب في التسعينيات ويقفون اليوم نفس الموقف مدعومين من جهات خارجية.

كما أنه من غير المنطق التصادم مع قيادة الجيش التي غيرت موقفها بعد 22 فبراير 2019 ويجب التعامل معها بحكمة وعدم شحن الحراك الشعبي ضدها حتى لا تعطى مجددا الفرصة للتيار الاستئصالي الذي ينتظر الفرصة بفارغ الصبر لإحداث فتنة أخرى.

ونوصي بالتراحم والتعاون مع إخواننا في الجيش، فالجيش ليس قائد أحمد صالح، لإخراج الجزائر الى بر الأمان وتهيئة الظروف للشرفاء والأحرار حتى تعود الجزائر لمجدها.

نورالدين خبابه