علّق المجلس العسكري الحاكم في السودان فجر الخميس لمدة 72 ساعة المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير بشأن الفترة الانتقالية، وذلك من أجل "تهيئة المناخ" للحوار في أعقاب تصاعد إطلاق النار في محيط اعتصام المتظاهرين أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم.
وقال الفريق عبد الفتاح برهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي في بيان بثّه التلفزيون الرسمي "من واقع مسؤوليتنا أمام الله وجيشنا وشعبنا قرّرنا وقف التفاوض لمدة 72 ساعة حتى يتهيّأ المناخ لإكمال الاتفاق".
ودعا الجنرال المتظاهرين إلى "إزالة المتاريس جميعها خارج محيط الاعتصام"، وفتح خط السكة الحديد بين الخرطوم وبقية الولايات ووقف "التحرّش بالقوات المسلّحة وقوات الدعم السريع والشرطة واستفزازها".
وجاء بيان برهان إثر تصاعد إطلاق النار مساء الأربعاء في محيط اعتصام المتظاهرين أمام القيادة العامة للجيش ما أدى إلى اصابة 8 أشخاص وبعد يومين من مقتل ستة أشخاص في المنطقة نفسها نتيجة إطلاق نار من مسلحين.

وكانت واشنطن وتحالف قوى الحرية والتغيير حمّلا الثلاثاء الجيش مسؤولية أعمال العنف، في حين حمّل المجلس العسكري مسؤوليتها إلى "عناصر مجهولة" تريد حرف المسار السياسي عن وجهته.
وأتى بيان الفريق برهان بعيد إعلان قادة الاحتجاج أنّ المجلس العسكري علّق المفاوضات معهم.
وقال رشيد السيد المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ "المجلس العسكري علّق المفاوضات، لقد طلبوا أن نزيل الحواجز من الطرق في مناطق من العاصمة".
وكان تجمّع المهنيين السودانيين طالب المعتصمين بالالتزام بخريطة الاعتصام الموضّحة.
وقال التجمّع في بيانه إنّ "الالتزام بهذه الخريطة يقلّل من إمكانية اختراق الثوار بأيّ عناصر مندسّة ويسهّل عمل لجان التأمين في السيطرة والتأمين".
وقال شاهد عيان إنّه "تمّ بالفعل إزالة بعض الحواجز" من المناطق الخارجة عن حدود الخريطة.
وبدأ الاعتصام أمام المقرّ العام للجيش في 6 نيسان/ابريل استمراراً للحركة الاحتجاجية التي انطلقت في كانون الأول/ديسمبر للمطالبة برحيل الرئيس عمر البشير، وقد أزاحه الجيش بعد خمسة أيام. ويطالب المتظاهرون راهناً المجلس العسكري بنقل السلطة.
وتباينت ردود أفعال المعتصمين بين التفاؤل والإحباط.
وقال أحد المعتصمين ويدعى محمد "أنا محبط من مماطلة المفاوضات وكثرة الاعتداءات على الاعتصام".
بالمقابل قال نديم، وهو أحد الشباب المشرفين على حواجز الاعتصام، "انا متفائل وأثق في من فوّضتهم بالنيابة عني".

وكان تجمّع المهنيين السودانيين الذي يمثّل دعامة لتحالف قوى الحرية والتغيير، طلب فور وقوع أعمال العنف من المواطنين "في العاصمة والمناطق المتاخمة" إظهار "مساندة المعتصمين" عبر الالتحاق بالاعتصام أمام مقرّ الجيش.
كما دعا التجمّع المتظاهرين إلى "التحلّي بالهدوء وضبط النفس والتمسّك بالسلمية التامّة وتفادي الدخول في أي مواجهات" مع أطراف أخرى.
ووقع التصعيد أثناء محاولات من قوات الأمن إزالة المتاريس في وسط المدينة واعتراضهم من قبل المتظاهرين، ما أدّى إلى حدوث بعض الاشتباكات في مناطق شارع البلدية وعند كوبري المك نمر وشارع الجمهورية.
وفي بيانه أرجع برهان أسباب قرار وقف التفاوض إلى غلق الطرق حول القيادة العامة للجيش مما يقوّض حركة القوات المسلحة وسيطرتها على الأوضاع الأمنية وتوفير الحماية للمعتصمين.
كما دافع الفريق برهان بشدّة عن قوات الدعم السريع التي يتهمها المعتصمون بالاعتداء على المتظاهرين ومهاجمتهم.
وفي هذا الصدد قال برهان إن قوات الدعم السريع "لعبت دوراً مهماً ومؤثّراً في أمن البلاد حرباً وسلماً". وأضاف أن هذه القوات "انحازت لثورة الشعب ولعبت دوراً مؤثّراً في انتصار الثورة".
وسجّل مسار المباحثات تقدّماً مهماً منذ الإثنين، وكان من المتوقّع أن تتناول المباحثات الأخيرة تركيبة المجلس السيادي، إحدى المؤسسات الثلاث التي ستحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية التي اتفق الطرفان على أن تكون مدتها ثلاث سنوات.

وتشمل المفاوضات إنشاء مؤسسات تتولى مسؤولية التحضير لنقل كل السلطات إلى سلطة مدنية.
وسبق أن توصّل الطرفان إلى اتفاق على تشكيل مجلس سيادي، حكومة، ومجلس تشريعي لإدارة المرحلة الانتقالية.
وستكون الأشهر الستة الأولى مكرّسة للتوصل إلى اتفاقات سلام مع الحركات المتمردة في غرب البلاد والجنوب.
وحُددت هيكلية المجلس التشريعي أيضاً، ومن المتوقع أن يضم 300 عضو، 67% من بينهم يختارهم تحالف قوى الحرية والتغيير. وتذهب بقية المقاعد إلى ممثّلين عن قوى سياسية خارج هذا التحالف.
وقلّل القيادي في الحركة الاحتجاجية خالد عمر يوسف من الدور الذي سيكون على المجلس السيادي أن يلعبه، وشدّد على تشكيل حكومة قوية في البلاد.
وقال "ستكون للحكومة صلاحيات كاملة وسيشكّلها تحالف قوى الحرية والتغيير"، مؤكّداً أنّ التحالف قد يستدعي شخصيات تكنوقراط وأنّ "وزارتا الدفاع والداخلية فقط ستذهبان إلى العسكريين".
وشدد يوسف على وجوب وجود مجلس سيادي يتألف بالأساس من المدنيين بينما يريد العسكريون أن يهيمنوا عليه.
وكان عضو المجلس العسكري الفريق ياسر عطا بدا متفائلاً بإعلانه فجر الأربعاء عن حصول تقدّم في المباحثات. وقال "نعد شعبنا باتفاق (نهائي) في أقلّ من 24 ساعة".
وكانت الإمارات القريبة من تطورات المشهد في السودان والتي انضمت إلى السعودية من أجل تأمين مساعدة من ثلاثة مليارات دولار، رحبّت بالتقدّم الحاصل.
وغرّد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الامارات أنور قرقاش على تويتر أنّ هذا المسار "يضع السودان على طريق الاستقرار والتعافي بعد سنوات ديكتاتورية البشير والإخوان (المسلمين)".
وغذّت أزمة اقتصادية عميقة الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في 19 كانون الأول/ديسمبر إثر زيادة الحكومة سعر الخبز ثلاث مرات.