طبول الحرب تقرع، والسؤال الذي يتبادر للذهن، هل نصحو ذات يوم على دوي القاذفات، أم أن الأمر لا يعدو كسر ارادات؟ غالباً التلويح بالحرب، أو ما يسمونه سياسة حافة الهاوية، يؤدي الغرض المنشود من دونما حرب. سنناقش هنا الاحتمالات:

الاحتمال الأول: أن تكسب أميركا الحرب، فأميركا قوة عظمى تملك من القدرات ما لا تملكه ايران، وعلى رأس قيادتها الآن أشرس المتعصبين في كل تاريخها، ورئيسها ينشد نصراً سريعاً يؤهله للفوز برئاسة ثانية، ووراءه كارتيلات صناعة الأسلحة، إضافة الى أن مصلحة إسرائيل تستوجب حسم موضوع ايران للتفرغ لحسم المواضيع الأخرى. في حالة انكسار ايران وانتصار أميركا، فأن المستفيد الأول إسرائيل أولا، وترامب ثانياً، وكوشنر الذي يأمل بأن يكون رئيساً لأميركا ثالثاً، والخاسر محور المقاومة بكل فصائله، من حماس مروراً بحزب الله اللبناني، وسوريا المقاومة، وفصائل الحشد في العراق، وروسيا التي ستنكفئ مرغمه عن الشرق الاسط، وخطط الصين ومشاريعها العملاقة كمشروع طريق الحرير، وستتوج أميركا مجددا كقائدة للعالم بدون منازع. ولكن العرب، بما فيهم المتحمسين للناتو العربي، والمطبعين مع اسرائيل لن يكونوا بأي حال من الرابحين، بل سترتفع وتيرة ابتزازهم وحلبهم، وستنصب القيادة الإيرانية الجديدة التي ستكون موالية لأميركا كشرطي المنطقة، أي اعادة احياء دور الشاه في المنطقة، وسيكون أردوغان من ضمن الخاسرين، حيث سيفقد إمكانية المناورة، وقد تكون إعادة انتخابات إسطنبول البلدية ضربة النهاية لحكم حزب العدالة، وانحسار ظل الاخوان في المنطقة.

الاحتمال الثاني: أن تفشل أميركا، مما يعد نصراً لإيران، وعندها ستغادر أميركا المنطقة، ويعهد أمرها لغيرها، ربما تحالف الروس والصين، تماماً مثلما عهد أمر المنطقة الى أميركا، بعد فشل بريطانيا وفرنسا في حرب السويس، لكن الفارق بين بريطانيا وفرنسا أن أميركا قارة، تستطيع العيش حتى لو اختارت العزلة، علماً أن السياسة الانعزالية لاميركا هي من صلب أهداف ترامب ومن يمثله، وسينتصر محور المقاومة، الذي ستكون أول مهامه سوريا الموحدة، وستتوقف حرب اليمن، وستعود قضية فلسطين لألقها، وربما يفرض العالم حل الدولتين بعد انسحاب إسرائيل من الجولان، وستصبح آسيا كلها سوقاً للصين، حتى السياحة ستتجه للشرق بدل الغرب، وسيكون هذا التحول ايذاناً بغروب شمس الغرب، وشروق شمس الشرق، وستتغير أنظمة في الشرق الأوسط بما يتلاءم مع واقع المنهزم والمنتصر.

الاحتمال الثالث: أن لا تقوم الحرب، وفي هذا وجهان:

الوجه الأول: أن تتراجع أميركا في اللحظات الأخيرة لأنها بالأساس ليست في وارد شن الحرب، وانما التهويل بشنها لاركاع وإخضاع ايران، وبهذا يكون تراجع أميركا بمثابة هزيمة لها ونصر لإيران، وسيعقبه تمدد النفوذ الإيراني الروسي الصيني على كامل المنطقة، وانحسار أميركا التدريجي، وفقدان الغرب لنفوذه التقليدي، وتزعزع الأنظمة الموالية لهما، لأنها ستفقد الحماية بعد اتضاح عجز الحامي، أو الحماة، ولا يستبعد تغيير ولاءات بعض الأنظمة، خصوصاً تلك التي كانت تقف على الحياد، وسيصبح موقف إسرائيل ضعيفاً جدا، وستخرج بعض الدول المطبعة من التطبيع، وربما ستعود المقاطعة لحين امتثال دولة الكيان الصهيوني للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. هذا الاستنتاج مبني على أن روسيا والصين ليستا عدوتين لإسرائيل، ولا تسعيان لإزالة وجودها، لكنهما ستراعيان موقف حليفتهما ايران التي باتت أقوى، وستضغطان على دولة الكيان الصهيوني للامتثال، على الأقل لما قرره المجتمع الدولي.

الوجه الثاني: أن تتراجع ايران وتخضع للاملاءات الأميركية، وفي هذه الحالة سيكون نصر أميركا مؤزراً، ومن دونما اطلاق طلقة واحدة، وستكون سيدة المنطقة بلا منازع، مما يستوجب إعادة رسم الخارطة السياسية بما يتلاءم مع هذا الواقع، وستكون هزيمة ايران هزيمة كاملة، لكنها سوف لن تفقد حظوتها لدى أميركا، حيث سيتم ابدال القيادة الحالية التي سيحملونها أخطاء السياسات السابقة بقيادة أخرى، ستكون حريصة تماماً على التوافق والتطابق مع السياسات الأميركية. ولما كانت ايران اختارت العقلانية وعدم الدخول في حرب مع أميركا، فانها ستحظى بالدعم الكامل من قبل القيادة الاميركية، وستنصّب كما أسلفنا كشرطي للمنطقة، وستعود السفارة الاسرائيلية الى طهران، ويصبح "الآريون" أبناء عمومتهم، ومنقذيهم من ظلم بابل، أما العرب، وبالأخص دول الخليج، فسيعلنون الولاء، وربما سيقبلون أيادي حفيد "الآريامهر" معيدين بذلك موقف أسلافهم، وعالمياً سيتم التازع الكوني بين الناهضين الآسيوين والقوة الأقوى عالمياً، والعذر في هذا أن أميركا لم تنتصر في حرب، وانما انتصرت بالتهويش، وأن ايران لم تقاوم لذا لم يتم اختبار حقيقة السلاح والقوة الاميركية فعلياً، وستكون جولات صراع أخرى في أكثر من مكان، وليس بمكنة أحد الزعم أن التهويش لم يكن من ضمن أسلحتها!