جو مستقر  , الهدوء يعم  المدينة  ,كانت ليلة الثلاثاء , أمة المختار تنتظر موعد إعلان أول أيام الشهر الكريم , أعلنت أن الغد فاتح رمضان , في مدينة هادئة , عائلة لا تهتم لشؤون غير الدينية , رجل أربعيني يشتغل كخباز بفرن تقليدي , عامل بسيط , و الصيام يغلبه و مع ذلك يصبر كأيوب النبي , صاحب الفرن يدخل ليكتشف الآخر في فترة راحة لبضع وقت , بعد عمل شاق دام لسبعة ساعات أمام النار و الحطب , صرخ  " السيد المحجوب " في وجه عامله البسيط الذي يلبي كل طلباته , و مع ذلك ظل صامد , لا يقوى على الكلام و لا على الرد , نظرا لسن الرجل الكبير , كما أن الرجل يدخن , و ربما بسبب الانقطاع عن السيجارة  بحكم الصيام هو الذي جعله يتصرف مع  " مولاي أحمد " هكذا .

و ها هو   " مولاي  أحمد " رفقة عائلته المحافظة على مائدة الإفطار , " ليلى "  الطفلة الصغيرة  لهذه العائلة , تبلغ أربعة سنوات , رغبة منها صامت , و كعادة الأسر المغربية  يستقبلون و يشجعون كل من صام , فكان الأب أسعد ببنته الطفلة التي صامت , آذان الصلاة , الكل يأكل , يشرب , إلا  " مولاي أحمد " كان شق ثمرة كاف , ليلتحق هو و ابنيه  " جليل و عبد النور "  للمسجد , و كأنه شبه فارغ عند صلاة المغرب , الإمام و كأنه يصارع جبروت إسرائيل , صلاة المغرب كلها في أقل من دقيقتين , يسرع , يسارع , انتهت الصلاة , تجرأ  " مولاي أحمد " ليسأل الإمام عن سبب هذه السرعة الغير الاعتيادية , أجابه و بسرعة البرق :

" نحن كنا صائمون, طيلة اليوم, يجب علينا أن نأكل و نشرب و ندخن, كما أنني و منذ مدة أنتظر برامج رمضان لأشاهد بعض من الفن المغربي, ذهب و ترك الآخر حائر من جوابه و يتساءل أ هكذا رمضان ؟  لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم  .

عاد الأب و الأبناء للمنزل , لم يأكل إلا قليلا , وجد زوجته المصونة  , السيدة  " عائشة  " تأكل , و كأنها كانت من بين المشاركات بغزوة بدر , تشاهد التلفاز لدرجة الخشوع , حدثها الزوج ليناقشا معا أمر يخص الأبناء لم تسمع فصرخت في وجهه , لم يتقبل تلك الصرخة , لكنه سكت مراعاة للأطفال .

رفع آذان صلاة العشاء, الطفلة " ليلى " حدثت أمها عن الصلاة, لم تكلمها, مرة, مرتين, في المرة الثالثة تضربها, كان الأب سعيد بما حاولت الصغيرة قوله, بكت الطفلة كثيرا, ربما اعتقدت أن ما قالته كان عيبا , الأب و لأول مرة يتكلم و بحسرة :

" عائشة «  لماذا هذه التصرفات المشينة المذمومة, أ هكذا هي التربية الدينية, ربما أظن أن رمضان هو شهر التوبة و الرحمة و القرآن و الصيام , ليس بشهر النميمة و مشاهدة التلفاز "

" مولاي أحمد « لا دخل لك في شؤوني الدينية 

مولاي أحمد يلهوا رفقة فلدة كبده الصغيرة  " ليلى "  , عبد النور يتوضأ  , جليل يشاهد التلفاز , على ما يبدو أنه تشبع بخلق أمه المبعثر , " مولاي أحمد " لم يكلمهما , " مولاي أحمد و ليلى " , يحاول تعليمها كيفية الوضوء .

لبسوا أطيب ما لهم للقاء الله تعالى في هذا اليوم العظيم , إنه يوم فاتح رمضان و صلاة التراويح , كان مقرئ صوته عذب جياش , كانت مصلى مبنية  بالحي , آلاف المصلون هنا يؤدون الصلاة , و الفريضة الإلهية  , الكل يصلي , يزكي , على ما يظهر أنه واجب ديني , أحد المصلين قام ببث مقطع على الهوى , بمواقع التواصل الاجتماعي , أما الآخر التقط صورة علق عليها , " أثناء اتصالي بربي رفقة عباد الرحمان , فكانت آراء متضاربة من ما هو ساخر , هناك من طلب له القبول , أما " مولاي أحمد " و أبنائه , صلوا , أدوا شريعتهم و مارسوا عقيدتهم السليمة , من دون تشهير .

في اليوم الموالي كان أحد الشبان الذين يبلغون الربيع الخامس و العشرين , يدخن في وضوح النهار , فكان يسبح بيده اليمنى و سيجارته باليد الأخرى , حاول   " مولاي أحمد " الاستفسار حول الأمر , فقال له :

" مع احتراماتي لكم يا سيدي فأنا رخص لي الطبيب و منعني من الصوم , لأنني أعاني من مرض عصبي , ألفت الدخان و الدخان ألفني , كما أنني التحقت بحركة الدفاع عن هذه الطبقة المسماة " لا للصيام "

" مولاي أحمد " أصابه العجب , كيف لشاب في بداية عمره , يتخلى عن الصيام , ليحرق جهازه الهضمي , و التنفسي , و المحزن هو أنه  يتصوف ليلا يعشق القنينة الخضراء , و في الصباح ينتظر الفرصة فقط ليبدأ نزاع بينه و بين أحد الجيران , على ما يبدو أنه كان نقاش من أجل فريق كروي .

زمن تغير , فقد السر , " مولاي أحمد " في رحلة البحث عن أحدهم للتصدق , في طريقه التقى جاره المسلم الذي كان قبل رمضان عامل بإحدى أوراش البناء , فالكل يغتنم فرصته في رمضان شهر الصيام , ما بين مفطر و متسول و متتبع لتفاهة رمضان التلفزيونية .

جوقة  أمام عمارة التي يسكن بها  مولاي أحمد " , على ما يبدو أنهن نساء مجتمعات في لغو الحديث , الذي طال , كانت إحداهن تحاول الفرار لكن من دون جدوى , رجل وسط النسوة , يشارك الحديث , أكل اللحوم , في شهر الصيام , يتناولون موضوع  " الشعوذة في ليلة القدر " كيف و لماذا , لكل منهن سبب و الغاية واحدة , كما هو معروف غالبا لصمود الأزواج عن قول الحق و لو كان حقيقة , خصوصا  " عائشة " التي لا تستحمل كلام الزوج الذي وصفته كالقرص المدمج . 

الكل يهتم بكل ما هو متعلق بالمأكل و المشرب , إلا القلة , ذات يوم و في فترة قنط و بغية التكفير عن ذنب كبير , قررت " عائشة "  تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم  , تخشع الزوج , بكى , مسحت دمعته , و قالت :

" دموعك أغلى , فعلا كنت ربما شبه كافرة , قد قررت أن أقوم بأفعال شيطانية  , كدت أن أسحر لك , لكن كان كل هذا سببه لغو الحديث , النساء إذا ما اجتمعن يوما ربما يكون خير , لكن غالبا ما تكون مكيدة , و أنا أعترف لك أنني كنت مخطئة كثيرا , لذا أناجيك و لا أحاجيك أن تسامحني يا زوجي و يا قرة عيني "

تهاطلت دموع الرجل كالأمطار  , سامحها  قائلا :

" أنا أصرخ في وجهك الكريم خوفا و مهابة من الرب العلي القدير , و ليس مجرد خوف , و الآن هيا بنا للصلاة حبيبتي و يا كريمة "

كانت سعادة جميلة و الكل يصلي صلاة جماعية في بهو المنزل , ليلى , عبد النور , جليل , عائشة , مولاي أحمد " , رتل القائد القرآن ترتيلا , صلوا ستة عشر ركعة في صلاة التراويح , و في ليلة القدر , الجارات يقتحمن البيت و يطرقن الباب من أجل السحر و الشعوذة , دخلن , استقبله الدهي " مولاي أحمد

بالقرآن الكريم المرتل , ذهبن , ندمن على الاتفاق و التواكل على الزوجة  عائشة   .

مر شهر القرآن الكريم , صاحب الفرن هو و زوجته يشترون للأبناء كسوة العيد , و معها قدر من المال قصد التعاون مع الأجير مولاي أحمد و محاولة التكفير عن الخطأ . 

يوم العيد , الأبناء يتفاخرون بعضهم بالملابس , فمنهم من اقتنى سروال مستعمل , كما أن هناك من لم يشتري , و أيضا هناك من اشترى ملبس و كأنه رجل ديبلوماسي , زيارة الأقارب في يوم العيد , كان من ينوي صلة الرحم , بينما كان من ينوي جرح الأقارب , فهي وصية رسول كريم في زمن غير بعيد بزيارته , لكن هناك من يطبق النفاق الاجتماعي قصد كسب المحبة الوهمية .

عائلة  " مولاي أحمد " كانت مثالية , أخلاقيا و روحيا و روحانيا , لا المال و لا النفاق و الوجه المختلف المزدوج يهمهم , فما يهم هذا الرجل الكريم , الذي يربي أبنائه على حب الخير و عدم التفاخر بين الجيران و العائلة , فهناك من لم يجد ملجأ , عسى الثياب التي تستر , فهذا خلق المختار الحكيم النبيل الشريف الإبراهيمي , واجه مولاي أحمد عقبات و لم يستسلم لأنه يرجو خيرا في أبنائه .

 

 ظنه لم يكن كاذبا , فالذبذبات صدقت و ما تمناه كان , فسكيزوفرينيا التي عايشها رفقة أفراد العائلة التي تعتمد النفاق الاجتماعي و كانت تحتقر النبيل و تنعته بالذليل , فعلا الذليل أذلهم فأبنائه كلهم حققوا أمانيه و أصبح رجل صاحب مال بفضل الأبناء ذوي الجاه , رمضان أظهر حقيقة عائلة كانت تنوي الغدر .

منصف الإدريسي الخمليشي