أصدرت الأمم المتحدة قرارها حول الصحراء الذي يحمل عدد 2468 يوم الثلاثاء 30 أبريل، وهو القرار الذي يحمل في طياته العناصر نفسها التي أكد عليها قرار أكتوبر الماضي 2440 اللذان أكدا معا على ضرورة التوصل إلى حل سياسي، واقعي متوافق بشأنه، وعلى مركزية دور دول الجوار على رأسها الجزائر التي وبلا شك وضعيتها السياسية المفتوحة على المجهول قد تؤثر سلبا في الملف خاصة على مستوى التقدم في العملية السياسية، إذ إن النظام الحالي الذي التف على مطالب الشعب يعتبر نزاع الصحراء جوهريا وورقة داخلية يستعملها في تجاذباته الداخلية وصراع أجنحته حول السلطة، وهو ما سيؤدي حتما إلى دفع البوليساريو إلى التشبث بفكرة استفتاء تقرير المصير لعرقلة أي تقدم في النقاش الذي سيجري في جولة جنيف 3 من جولات المائدة المستديرة التي أعلنت عن انطلاقتها الأمم المتحدة.

وإذا كان القرار في محمله يدعم التصور السياسي للمغرب باعتبار أن الطرح المغربي للحل يستجيب للمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة على رأسها ما سمته بالبحث عن حل واقعي، بروح ودينامية جديدة، وهي المفاتيح التي تشكل المدخل للحل السياسي، الديمقراطي لهذا النزاع، وعلى عكس ما روجت له وكالة الأنباء الجزائرية قبيل استصدار القرار إلى أن هناك توجها أمريكيا وأمميا للبحث عن آلية أممية لمراقبة حقوق الإنسان بالأقاليم الصحراوية، فالقرار لم يأتِ على ذكر أي مقترح بهذا الشأن وباستثناء موقف جنوب إفريقيا المعادي للمغرب لأسباب اقتصادية أكثر منها سياسية بفعل تحول المغرب لقوة اقتصادية إفريقية صاعدة تزاحمها في الأسواق الإفريقية، خاصة بعد العودة القوية للمغرب؛ فجل الدول التي صوتت بالإيجاب على القرار وحتى روسيا التي امتنعت عن التصويت لم تناقش هذا المقترح ولم تقدمه لإيمانها العميق بالدور الذي تقوم به المؤسسات الوطنية في حماية حقوق الإنسان بالصحراء واشتغالها وفقا للمعايير الدولية الحمائية للحقوق والحريات خاصة منها الأساسية.

الآن وبعد أن صدر هذا القرار، كيف يمكن التعامل والتعاطي معه ومع مختلف التحولات التي يعرفها الملف والمخيمات، هنا لا بد من تحديد هذا التعاطي في ثلاثة أوجه:

أولا: علاقة بالمسلسل السياسي: من المعلوم أن هناك لقاءات عبارة عن مباحثات أولية تجري بحضور مختلف الأطراف على رأسها الجزائر. وقد أكد تقرير غوتيريس كذا قرار مجلس الأمن على ضرورة انخراط الأطراف بحسن نية فيها. وإذا كان المغرب قد أبدى أكثر من مرة على تعاونه وتعاطيه الإيجابي والنوعي مع الأمم المتحدة لإحراز التقدم المأمول، فلا بد من الإشارة هنا إلى أن اللقاءات التي ستجري مستقبلا يجب الانتباه جيدا إليها حتى لا تتحول إلى مجرد مناسبة لتجديد شرعية قيادة الجبهة فقط المفتقدة داخل المخيمات، أو إلى مسلسل من الموائد المستديرة العبثية في ظل تعنت الجزائر خلفها البوليساريو وتمسكها بفكرة الاستفتاء التي تجاوزتها الأمم المتحدة وأسقطتها من حساباتها السياسية، بالتالي ستدخلنا في المسار نفسه الذي دخلنا مع مفاوضات منهاست.

المغرب في هذا الاتجاه وهو يعد العدة للجولة الثالثة عليه أن يطرح مع الأمم المتحدة كل الجوانب المتعلقة بجنيف3، وجدول أعمالها الذي يجب أن نتقدم فيه وأن نخرج من مناقشة العموميات إلى نقط محددة، بل يجب أن يكون المغرب هو السباق لاقتراح مناقشة ما تطرحه الجزائر وما نطرحه نحن، أن يبادر إلى مناقشة استفتاء تقرير المصير خاصة أنه أبدى مرونة كبيرة وانفتاحا على مستوى ما ناقشه في الجولة الثانية، حيث كشف وزير الخارجية المغربي عن مناقشته لتقرير المصير؛ وهو تقدم مهم في خطاب المغرب واقتحام الحصن الذي ظلت الجزائر تختبئ وراءه معتقدة أن ورقة تقرير المصير تحرج المغرب. في الجولة المقبلة، المغرب عليه أن يقترح على الأمم المتحدة رسميا مناقشة أطروحة الجزائر وأطروحة المغرب وفقا للمرجعية التي تؤطر بها الأمم المتحدة هذا المسلسل، وانسجاما مع روح فكرة تقرير المصير، هذا الأمر هو ما سيقنع الأمم المتحدة بإلزام الطرف الآخر بمناقشة الحكم الذاتي كحل سياسي، واقعي والمجسد لتقرير المصير والمستجيب لرغبة الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم والأمن بالمنطقة ومواجهة الإرهاب.

ثانيا: الجزائر ومعها البوليساريو أكثر ما يخيفها هو التقدم الذي قد يتم إحرازه على مستوى تبادل الزيارات من الأقاليم الصحراوية إلى المخيمات، على اعتبار انه قبل توقفها كانت مناسبة لتقرر العديد من الأسر مصيرها، وتصر على رفض العودة إلى المخيمات بعد مجيئها للمغرب واطلاعها على حقيقة الوضع ميدانيا بالأقاليم الصحراوية واكتشاف أكذوبة الجبهة التي ظلت تسوقها في الداخل، على أن المناطق الصحراوية عبارة عن ثكنات عسكرية وأن هناك ثورة بالعيون، واستنزاف لخيرات المنطقة.. وعند قدومها إلى المغرب تكتشف زيف خطاب الجبهة ودعايته الإعلامية المبنية على تخويف ساكنة المخيمات من المغرب، وتختار البقاء والاستقرار بإحدى المدن الصحراوية المغربية.

الأمم المتحدة، سواء من خلال تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أو قرار مجلس الأمن 2440 و2468، أكدت على ضرورة انطلاق عمليات تبادل الزيارات الأسرية، المغرب عليه أن يدفع ويطرح في جنيف 3 وقبلها جل النقط المساعدة على انطلاق هذه العملية؛ لأنها ستحقق أهم شيء، وهو دفع ساكنة المخيمات إلى زيارة وطنهم الأم والاطلاع على حقيقة الوضع، وستكون البوليساريو سواء قررت تلك الأسر البقاء هنا أو العودة هي الأسرة لأنها في جميع الحالات سيكتشف هؤلاء زيف الدعاية الإعلامية والبروبغندا التي ظلت تسوقها داخل المخيمات طيلة عقود من الزمن.

ثالثا: الوضع الحقوقي بالمخيمات وما صاحبه من احتجاجات قوية أسقطت جدار الخوف السميك الذي بناه عسكر الجزائر ومليشيات الجبهة، وأكدت أن الجيل الجديد من شباب المخيمات أصبح قادرا على تحدي الخوف وتحدي القمع، وأصبح رافض للوضع الحالي الذي فرضته الجزائر والجبهة عليه، حيث إن هذه الأجيال وجدت نفسها في ظل وضع إنساني واجتماعي مأساوي، تحولت إلى مجرد رقم تتسول بهم قيادة الجبهة في الخارج، وإلى ورقة سياسية تلعب بها الجزائر في معركتها ضد المغرب.

المغرب عليه أن يعبئ مختلف آلياته وإمكاناته الدبلوماسية الرسمية والشعبية والحقوقية، للترافع القوي وللدفاع عن ساكنة المخيمات من منطلقات إنسانية أولا، ثم من منطلق كون هؤلاء يعتبرهم المغرب مغاربة لسبب أو لآخر وجدوا أنفسهم هناك رهائن ملف لا يراد له الحل من طرف من تسبب في وجوده..

المغرب عليه مسؤولية سياسية وأخلاقية للحديث باسم ساكنة المخيمات، ولدفع الأمم المتحدة إلى تمكينهم من كافة حقوقهم على رأس هذه الحقوق، الحق في التنقل؛ وهو الحق الذي يؤطر انتفاضتهم الحالية، لأنه المدخل لتحريرهم وضمان حركتهم وحقهم في العودة إلى المغرب.

ما بعد القرار الحالي، هي جولة جنيف 3، التي على المغرب أن يكون واضحا مع مختلف الأطراف قبل توجهه إلى هناك، لأنها ليست مناسبة لخلق دعاية إعلانية مجانية للجبهة؛ بل إما أن تكون مناسبة للدخول في مفاوضات جدية على قاعدة الحكم الذاتي، أو أن تتوقف ويكون المغرب في حل من أي التزام أممي لا يحقق الحل خاصة أن الأمم المتحدة اعترفت بالحكم الذاتي كحل واقعي، جدي، ذي مصداقية.

 

نوفل البعمري