يعرف الفيومي المروءَة على أنها "آداب نفسانيَّة، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات"، وبهذا المعنى يكون الكذب خلقا ذميما يتنافى ومروءة الفرد، ويحول بينه وبين كمال الايمان. روى صفوان بن سليم قال: "قيل يا رسول الله أيكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: لا". كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يُطْبَعْ المؤمنُ على كُلِّ خُلُقٍ ليسَ الخيانةَ والكذب".

سياق هذا الكلام، مرور ما يربو عن شهرين ونصف على تصريح معالي رئيس الحكومة على قناة تلفزية عمومية بكون القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية سيصدر في غضون شهرين، لكن هذا القانون لم يفرج عنه بعد، وبذلك يكون السيد رئيس الحكومة - مع التذكير بأنها ليست للمرّة الأولى- قد وعد وأخلف ونقض عهده مع الشعب المغربي.

في هذا الإطار، كان يفترض أن يصدر القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ومعه القانون التنظيمي المتعلق بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية بداية ولاية الحكومة السابقة، وهو ما لم يتم بالنظر إلى عوامل عديدة ومتشعبة أفضت إلى هذا الجمود، ليظل الغموض يلف مصيره لحدود اليوم.

القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية هو آخر ما ستفكر فيه الحكومة، وهي تستفيد في ذلك من إحجام "الدولة" عن اتخاذ موقف واضح من الأمازيغية وامتناعها عن الحسم حفظا للتوازنات الكبرى. موقف الحكومة وخصوصا حزبها الأغلبي يتماشى خصوصا وموقف التيار المتشدد في مسألة اللغة والهوية داخل هذا الحزب وهو السواد الأعظم، والذي يعتبر اللغة الأمازيغية "تهديدا" للغة العربية، بينما لا يخرج تحامل وتواطؤ الأحزاب الأخرى المشكلة للحكومة- التي تعتبر ضعيفة أيديولوجيا مقارنة بحزب المصباح- عن دائرة التوظيف السياسوي لورقة الأمازيغية لقضاء المآرب الشخصية والحزبية حينا وبحثا عن إرضاء "الدولة" حينا.

إن إنصاف الأمازيغية سيظل مؤجلا بلا شك لأن هذه القضية محل توافق بين مختلف التيارات الإسلامية التي لا تخفي تخوفها من الأمازيغية لغة وهوية، وبين عديد القوى اليسارية التي لا تزال تدافع عن الأطروحة القومية وترى في الأمازيغية تهديدا مباشرا لوحدة "وطن" يمتد من المحيط إلى الخليج، وبين أحزاب إدارية خديجة لا تتأسس على مرجعيات فكرية وأيديولوجية واضحة وصلبة، ولا يهمها من مواقفها إلا الارتقاء السياسي، عطفا على شعب تائه فقد بوصلته في كل شيء وأصبح تفكيره حبيس الخبز والماء.

والحال هذه، نزعم أن الإفراج عن القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يتجاوز معالي رئيس الحكومة –رغم أنه المسؤول دستوريا عن ذلك- بل ويتجاوز الحكومة والبرلمان إلى دوائر أوسع. ما يهمنا في هذا المقام إذا هو أن ننبه السيد رئيس الحكومة إلى ضرورة التريث ونؤكد له أن خرجاته ووعوده المنقوضة إساءة إلى وضعه الاعتباري كرئيس حكومة و انتقاص من مروءته.

في الختام، نؤكد على أن مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16، المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، أسير لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب وضحية الاغتصاب الجماعي لرموز المشهد السياسي الموبوء، لن يكون أكثر من قانون شكلي لن يستجيب لتطلعات الشعب المغربي الواعي بأهمية الأمازيغية لغة وهوية، ويجدر بنا أن نعمل - نحن أبناء الأمازيغية وأهلها- على إنصافها شعبيا ورسميا وألا نعلق أي أمل على حكومة مراوغة فاشلة ورئيس حكومة عاهد أكثر من مرة وأخلف.


 

لحسن أمقران