لأن السلطة والحفاظ عليها أصبحا من منظور غالبية الطبقة السياسية الفلسطينية الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة أهم من الوطن، ولأنه ليس بعد وصول هذه الغالبية إلى السلطة إلا البحث عن كل ما يكرس هيمنتهم وإطالة عمرهم الوظيفي، كما أن وجودهم في السلطة يخفي عجزهم وفشلهم عن تحقيق ما وعدت به الشع.. لكل ذلك تلجأ هذه الطبقة أو النخبة السياسية إلى عدة وسائل أو ميكانزمات لإلهاء الشعب وإخضاعه وهي تستلهم أسوء ما في تجارب الأنظمة العربية، مع اضافات ذات خصوصية مستمَدة من الواقع الفلسطيني.

من أهم هذه الميكانزمات أو الوسائل:

1ـ تضفي على سلطتها شرعية وهمية وفاقدة الصلاحية، سواء كانت شرعية تاريخية أو دينية أو ديمقراطية، والتاريخ والدين وانتخابات المرة الواحدة لا تمنح شرعية سياسية؛

2ـ الاستعانة بالأجهزة العسكرية، سواء كانت أجهزة أمنية رسمية أو ميليشيات وجماعات (مقاومة)، لفرض سطوتها وسلطتها، بحيث يمكن القول بأن من يحكم في مناطق السلطتين هي الأجهزة الأمنية أو حكم (العسكر)؛

3ـ تلجأ إلى البروباغندا والديماغوجية موظفة خطابا إنشائيا ممجوجا يكرر الحديث عن الثوابت والمقاومة والدين والتاريخ المجيد والمصلحة الوطنية، فيحل خطاب التمسك بالثوابت محل الثوابت نفسه، وخطاب المقاومة محل المقاومة، والخطاب الديني وتمظهراته الشكلية محل الدين ذاته، ويتم استحضار الأموات من السلف الصالح والشهداء بشكل مُبَالغ فيه ويقِّولونَهم ما لم يقولونه وينسبون إليهم أفعالا لم يقوموا بها، كل ذلك لإخفاء عجزهم وفشلهم؛

4ـ المبالغة في الحديث عن الانتصارات السياسية والعسكرية، وهو حديث لا ينطلي إلا على السُذج من الشعب، فكيف تكون انتصارات فيما إسرائيل تواصل احتلالها ومشاريع الاستيطان والتهويد والأسرلة تتواصل في الضفة والقدس، وقطاع غزة ما زال محتلا وفاقدا للسيادة ويعاني من نتائج موجات متتالية من العدوان ومن حصار متواصل وأخيرا يتم مقايضة المقاومة برواتب موظفين وتسهيلات معيشية؟؛

5ـ احتكارها للمؤسسات والأجهزة الرسمية، الشرعية منها وغير الشرعية، والمؤسسات الاقتصادية والخدمية والأجهزة الأمنية والمليشيات المسلحة؛

6 ـ تحكَّمها بمصادر التمويل الخارجي، سواء التي تأتي بطرق رسمية أو غير رسمية، من فوق الأرض أو من تحتها، أيضا تَحَكُّمها بمفاتيح الاقتصاد المحلي وحركة التجارة؛

7ـ في ظل اقتصاد ضعيف، يعيش أغلبيته على التمويل والمساعدات الخارجية، جعلها في موقع التحكم في أرزاق الناس من رواتب ومساعدات اجتماعية وحَوَّل الراتب إلى لعنة وأداة خضوع وهيمنة ،حيث الراتب مرتبط بالولاء الحزبي بل والشخصي أحيانا؛

8ـ سيطرتها على وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، من تلفزيون ووكالات أنباء وصحافة، حتى وسائط التواصل الاجتماعي لا تسلم من رقابتها؛

9ـ إنتاج نخب جديدة طفيلية تابعة لتروج أفكارها إعلاميا وعبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتستعملها كالعصا الغليظة لقمع وتشويه من ينتقدها أو يكشف فسادها؛

10ـ شراء الذمم بالمال والتغاضي عن فساد نافذين في السلطتين والأجهزة الأمنية والأحزاب وصُناع الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني، كما أن القيادات الكبرى في السلطتين توظف في مناصب عليا وحساسة شخصيات ضعيفة ويشوبها الفساد حتى تضمن تبعيتها لها تحت تهديد كشف فسادها المالي أو الأخلاقي.

11ـ تُعظِم إعلاميا من خلافاتها الداخلية وتصطنع أعداء داخليين لتبرر عجزها عن مواجهة إسرائيل وحتى تتهرب من استحقاق الوحدة الوطنية، وهي في هذا السياق غير معنية بإنجاز مصالحة وطنية حقيقية بل تسعى إلى تقاسم مغانم السلطة في ظل واقع الانقسام؛

12ـ تلجأ لإستراتيجية الإلهاء بحيث تُلهي الشعب بمشاكل الحياة اليومية، من رواتب والبحث عن وظيفة وأقساط البنوك ومشاكل الكهرباء والماء وتصاريح السفر إلخ، حتى لا يفكر الشعب بالقضايا الوطنية الكبرى وحتى يبقى الشعب بحاجة يومية إلى هذه النخب؛

13ـ يشتغل رموزها الفاقدون للشعبية على إثارة النعرات الجهوية والمناطقية والعائلية للبحث عن الولاء الشخصي، حتى وإن أدى ذلك إلى ضرب وحدة النسيج المجتمعي؛

14ـ عدم الحزم في التصدي لانهيار المنظومة القيمية وانتشار المخدرات والفساد الأخلاقي، وهو ما يضعها في شبهة الاتهام بتقصد ذلك حتى تُلهي الشعب وخصوصا فئة الشباب بهذه الأمور وتبعدهم عن الاهتمام بالشأن الوطني العام.

وأخيرا، إذا كانت النخب السياسية الحاكمة وصلت إلى طريق مسدود وغير قادرة على تحقيق اختراق، سواء على مستوى العملية السلمية أو على مستوى المقاومة أو بالنسبة إلى المصالحة والوحدة الوطنية، فعليها أن لا تُسقط فشلها وعجزها على الشعب بالزعم أن الخلل في الشعب وأن هذه إمكاناته وقدراته أو التذرع بالمؤامرات الخارجية، فالفشل فشلهم وليس فشل الشعب والفساد فسادهم وليس فساد الشعب.

الحل يكمن في تغيير النخب السياسية من خلال انتخابات على كافة المستويات، مع إدراكنا بأن النخب المتسيدة على رقاب الشعب ستزعم أيضا أن الظروف غير مهيأة للانتخابات؛ وهو زعم مرفوض، أو من خلال انتفاضة شاملة في مواجهة الاحتلال وكل الأطراف التي تريد الحفاظ على الوضع القائم.

Ibrahemibrach1@gmail.com