شخصيا لا يمكن لي أن أقدم تقييما موضوعيا عن محاكمة ما بات يعرف بمعتقلي الحسيمة، وعن مآلاتها القضائية دون مراجعة الحكم وكذا تعليل المحكمة التي أصدرته، والعناصر القانونية التي دفعتها لتكوين قناعتها لإصدار الحكم الاستئنافي الذي قضى بتأييد الحكم الابتدائي، سواء في حق معتقلي احتجاجات الحسيمة أو في حق الصحافي حميد المهداوي الذي تم ضم ملفه لملف معتقلي الحسيمة.

وفي انتظار الاطلاع على الحكم الذي سيكون بعد تحريره قابلا من الناحية الموضوعية والقانونية للتعليق عليه، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن فصل أية قراءة له دون النظر إلى مسببات الاحتقان الاجتماعي الذي أدى إلى تفجير هذا الاحتجاج الاجتماعي، نكون بذلك إذن قد أسدلنا الستارة على مسار قضائي استمر لحوالي سنتين، وخلاله عرف الملف بالتوازي مع المسار القضائي، إجراءات تدبيرية تؤكد على الجانب والوجه الآخر له، وهو الوجه السياسي، خاصة ما يتعلق منه بتدبير الحكومة لمشاريع تنموية كبرى عرفت تعثرا كبيرا، ولولا هذا التعثر لما شهدت الحسيمة تلك الاحتجاجات الاجتماعية، ولما خرج شبابها وساكنتها عموما إلى الشارع، ولما أهدرنا زمنا سياسيا ووطنيا وجهدا كبيرا في تدبير هذا الملف على مختلف الأوجه والأصعدة... خاصة ما يتعلق منه بصورة المغرب خارجيا.

طبعا المسار القصائي قد انتهى في انتظار قرار الطعن بالنقض من عدمه، لكن شوطا كبيرا منه قد طوي، وهو المتعلق بالمحاكمة التي انتهت إلى ما انتهت إليه من أحكام قضائية تقييمها اختلف باختلاف القارئ والتعاطي مع الأحداث والأحكام، لكن لن يكون هناك اختلاف على أنها أحكام قد تكون قاسية وقد تكون غير متناسبة مع الأفعال المنسوبة للمتهمين، نخص بالذكر الصحافي حميد المهداوي الذي كان الجميع ينتظر أن يحكم بالبراءة أو بما قضى على أبعد تقدير، لكن قناعة المحكمة المصدرة للحكم انتهت إلى ما انتهت إليه.

وإذا كنا هنا لسنا في مجال التعليق على الحكم لأننا لم نطلع عليه بعد، وبعد أن أسدل الستار على الملف في جانبه القانوني، فعلى الجميع أن يفكر في مخرجات الملف وفي حله، لأن مبتدأه سياسي، وبالتالي مخرجاته سياسية كذلك، من خلال التفكير في إيجاد مخرج ينهي ويطوي الملف بشكل يحقق مصالحة شاملة تتجه معها المنطقة نحو التفرغ لإعادة تنميتها وتنزيل المشاريع الكبرى التي تعثرت، وهنا يعاد طرح سؤال أساسي وجوهري حول مؤسسات الوساطة التي كان لا بد أن يكون لها دور في العملية قبل الأحداث وأثناءها لتأطيرها والترافع الجيد عن المنطقة لدى أصحاب القرار السياسي، خاصة منها الأحزاب السياسية، النقابات والمؤسسات المنتخبة محليا، إقليميا وجهويا، التي لولا الفراغ الذي تركته في تأطير المواطنين لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه ولما انحرف الوضع نحو الانفجار والاصطدام المباشر بين المحتجين والدولة.

نحن أمام مرحلة أخرى من مراحل الملف، طوي جزء من مساره على المستوى القضائي الذي قال كلمته النهائية، وبغض النظر عن الأحكام الصادرة، ودون الدخول في التشكيك في هذا الشوط رغم قساوة الأحكام ومدد العقوبة الطويلة، فنحن أمام مرحلة جديدة، مرحلة التعاطي السياسي مع الملف على مختلف مؤسسات الوساطة والفاعلين أن يلعبوا دورهم كاملا في إنضاج الشروط نحو طي نهائي له، وذلك ممكن من خلال مستويين:

الأول يتعلق بالحكومة، أي أن تقوم الحكومة بتنزيل مختلف المشاريع المتعثرة باقليم الحسيمة التي كان لهذا التعثر والتأخر السبب المباشر في خروج الساكنة للاحتجاج، وفي انطلاق الحركة الاحتجاجية المطالبة بتنزيل المشاريع الاجتماعية المرصودة للمنطقة، خاصة وأنه أكيد أن هناك تقييما قد جرى، وهو ما تسبب في إقالة عدة وزراء ومسؤولين إداريين وترابيين على الصعيد المحلي.

المستوى الثاني يتعلق بمسؤولية مختلف الفاعلين خاصة في الجانب الإنساني المتعلق بمحاولة خلق الظروف المؤدية لإنضاج الأجواء السياسية والوطنية للوصول إلى عفو ملكي على مختلف المعتقلين، خاصة وأن العفو في مرحلة ما بعد انتهاء المسار القضائي سيكون منطقيا وذا جدوى لأنه من غير المفيد للدولة وللمنطقة ومستقبل الأجيال الصاعدة من شباب إقليم الحسيمة أن تظل حالة الشد بين المنطقة أو فئات منها وبين الدولة، لذلك قد يكون العفو الملكي ممرا دستوريا ووطنيا ومؤسساتيا آمنا نحو طي الملف وتداعياته، ونحو مصالحة تبدد أي سوء فهم قد يكون نتج بين الطرفين، خاصة أنه لو كانت مؤسسات الوساطة قد لعبت دورها كاملا لما انتهى الوضع إلى ما انتهى إليه، لذلك ضرورة إنضاج الشروط نحو الوصول إلى عفو ملكي دون الدخول في نقاش عقيم حول العفو نفسه والمسالك المؤدية إليه، لأن ما يهم هو طي الملف والانخراط الجماعي في مسلسل البناء والتنمية.

 

نوفل البعمري