أطرح هذا اللغز على كل شخص، اتحادي أو غير اتحادي، ينادي بخروج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة الحالية؛ واللغز سياسي لأنه يدور حول المعارضة والأغلبية والتموقع فيهما.

وقبل عرض مكونات اللغز، أود أن أشير إلى أن كل شخص ينطلق من أحكام مسبقة أو ينقاد إلى جموح العاطفة، بغض النظر عن نوعها، لن يستطيع أن يفك بعض خيوط هذا اللغز ولن يقدم حلولا يسندها المنطق السياسي الواقعي.

يعرف الجميع أن الاتحاد الاشتراكي قد اختار، بعد انتخابات 2011، عدم المشاركة في حكومة عبد الإله بنكيران، وخرج إلى المعارضة، من جهة، انسجاما مع نتائج صناديق الاقتراع؛ ومن جهة أخرى، من أجل تقوية صفوفه واستعادة المبادرة باستعادة وهجه؛ وقد قام الحزب، بالفعل وعلى كل المستويات، بمجهودات جبارة في إعادة البناء وفي التعبئة السياسية والتنظيمية (مؤتمر وطني غير مسبوق، تحضيرا وإنجازا؛ مؤتمرات إقليمية ناجحة غطت كل التراب الوطني، تقريبا؛ مؤتمرات قطاعية؛ أنشطة سياسية وإشعاعية مكثفة؛ أنشطة ثقافية متميزة؛ حضور إعلامي محترم...).

وفي انتخابات 2016، ستشهد بلادنا ظاهرة سياسية عصية على الفهم: لقد تراجعت، من حيث عدد المقاعد في البرلمان، كل الأحزاب باستثناء حزبين؛ واحد في الأغلبية والآخر في المعارضة. ففي الأغلبية، تقدم حزب العدالة والتنمية بشكل ملفت، بحيث فاجأت النتيجة حتى الحزب نفسه بعدد المقاعد التي حصل عليها (125 مقعدا)؛ بينما تراجعت، بنسب متفاوتة، باقي الأحزاب التي شاركت في حكومة بنكيران. وفي المعارضة، تراجعت أيضا كل الأحزاب باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة الذي قفز من 47 إلى 102 مقعدا.

شخصيا، ليس لي حل لهذا اللغز. لكنني أقترح، على كل من يريد أن يجتهد في البحث عن فك خيوطه، أن يستأنس بقراءة مقالين لي حول هذا الموضوع؛ الأول بعنوان " قراءة في المشهد السياسي المغربي على ضوء الانتخابات الأخيرة [المقصود، هنا، الانتخابات الجهوية والمحلية] ..هل قدرنا الديمقراطي وجهان لعملة واحدة؟" ("أنفاس بريس" بتاريخ 11 فبراير 2016)؛ أما المقال الثاني، فهو بعنوان "في ديمقراطيتنا، شيء ما غير طبيعي وغير منطقي: قراءة في نتائج 7 أكتوبر 2016 " (جريدة "الاتحاد الاشتراكي" بتاريخ 17 أكتوبر 2016).

لا أدري كيف يفسر المتخصصون في علم السياسة وفي علم لاجتماع هذه المفارقة. ولا أعلم إن كانت هناك دراسة لهذه الظاهرة أم لا. لكنني، شخصيا، تساءلت وأتساءل إن لم يكن هذا الوضع يشكل وجها من أوجه الاستثناء المغربي، حيث لا الأغلبية أغلبية ولا المعارضة معارضة؛ مما يضفي على الوضع كثيرا من اللبس والغموض والضبابية.

وأكاد أجزم أن كل من يقارب هذه الإشكالية أو المفارقة عاطفيا أو سطحيا، لن يفلح في فهم الوضع السياسي ببلادنا؛ وبالتالي، لن يقترب من حل اللغز. أما الوصول إلى الحل، فهو شبه مستحيل، إن لم يكن مستحيلا تماما، لاعتبارات سياسية وثقافية وإدارية وقانونية متشابكة، مفتاح حل لغزها يوجد، ربما، عند أهل الحل والعقد.

وكيفما كان الحال، فإن الذي يُغلِّب العاطفة على العقل، لن يقدر على تقديم تفسير منطقي وواقعي للظاهرة. فكل من يتحكم فيه الغل والحقد والضغينة أو التعصب والغيرة المفرطة وحب الذات، لن يقدر على التمييز، مثلا، بين ائتلاف وتحالف حكومي، ولا بين البرنامج الانتخابي والبرنامج الحكومي؛ وبالتالي، تكون حلوله المقترحة لوضعية من الوضعيات خارج السياق وتفتقد إلى الواقعية والموضوعية.

وما هذا إلا رأي شخصي متواضع في وضع عام مأزوم وموبوء ووضعية سياسية واقتصادية واجتماعية تتسم بالتعقيد والهشاشة.



محمد إنفي