يشغل ملف الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد، أو ما تسميهم وزارة التربية الوطنية أطر الأكاديميات مساحة كبيرة في الأحداث المغربية الراهنة، خاصة بعد التدخل القمعي العنيف لفض اعتصام هؤلاء الأساتذة ليلة 23 وفجر 24 من مارس الحالي. وفي إطار كسب الوزارة الرأي العام، أكثرت من اللقاءات في البرامج التلفزية والإذاعات الوطنية عبر ممثليها، خاصة مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كما لجأت إلى بث فيديو على صفحتها الفيسبوكية يوم 26 مارس، يتناول هذه القضية عن طريق قص لقطات من لقاءات صحفية لمختلف ممثليها، ثم خلق حوار مفترض، يسأل فيه طرف خفي أسئلة مختلفة، فتأتي الإجابات من تلك القُصَاصات السالف ذكرها. وسأتناول تحليل هذا الفيديو من خلال جانبين أساسيين، هما:

1- الحوار الافتراضي

يضم الفيديو على الرغم من تعدد المتكلمين فيه طرفيْن، يجسد الطرفَ الأول صوتٌ يتكلف بطرح الأسئلة، فيما يمثل الطرفَ الثاني وزيرُ التربية الوطنية ومديرُ مواردها البشرية ورئيسُ الحكومة.

سنركز على الكلمات والجمل التي نطق بها الصوت، وقبل ذلك لابد من الـتأكيد على رغبة الوزارة في جعل ذلك الصوت يمثل أطياف المجتمع المغربي لكسب تعاطفهم ورأيهم عن طريق الاستمالة العاطفية بشكل كبير، ومن خلال الأسئلة التي يطرحها نميز فيها بين المكتوب والشفهي، فكل سؤال من أسئلة ذلك الصوت يتجسد من خلال الكتابة باللغة الفصيحة، وبموازاة ذلك يطرح الصوت السؤال نفسه بصيغة مختلفة كثيرا عن المكتوب، من خلال العامية المغربية، والتركيز على العامية هو رهان لكسب أكبر عدد من المغاربة حتى الأميين منهم، ومن ثم يتضح أن هذا الفيديو هو محاولة تجييش للمغاربة بواسطة خطاب عاطفي بالأساس.

وسنتوقف مع بعض العبارات العامية التي نطق بها ذلك الصوت، ونحاول توضيح دلالاتها الخفية ومقاصد الوزارة من ذلك:

العبارة الأولى: "والله إلى رتحتيني" [والله، أرحتني]

تروم هذه العبارة زرع الثقة في نفوس المغاربة، وبخاصة من لهم تلاميذ داخل المدارس العمومية، كما تعمل على حمل المغاربة على وضع الثقة في وزارة التربية لتجاوز الأزمة. ولكن المتتبع لإجراءات الوزارة لحل هذه الأزمة، يتضح له أنها تتخبط في أزمات أخرى، كتركيز الوزارة على تلاميذ المراحل الإشهادية، ومحاولة توزيعهم على أقسام أخرى لأساتذة مرسمين، فبالإضافة إلى إشكال الاكتظاظ، تتضح مقاربة الترقيع بالتركيز على المستويات الإشهادية، وكأن التلاميذ الآخرين لن يتأثروا بعدد الساعات المدرسية المهدورة.

العبارة الثانية: "والله إلى عندك الصّح، وعلى مكاي يبان لي كلشي واضح وباين غير الله اهدينا على بلادنا وخلاص"

[والله، معك حق، وعلى ما يبدو لي فكل شيء واضح بجلاء، وما بقي إلا أن يهدينا الله بالنظر إلى مصلحة البلاد وكفى]

تحاول هذه العبارة جعل الوزارة في موقف الحكيم الذي لا تحتمل آراؤه الأخطاء، وأن كلامها واضح ومفهوم ويتطلب من الأساتذة المضربين، تبعا لذلك، التوقف عن الإضراب والرجوع إلى الأقسام، أما تتمة الكلام فتحمل في طياتها كلاما خطيرا، يتعلق بمصلحة الوطن، وكأن الأساتذة، بشكل ضمني، لا يراعون مصلحة البلاد، لذلك يُضَمِّنُ ذلك السائل دعاء والتماسا لجعل مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، وهذا الانحراف غير مقبول، لأن هناك موضوعا أساسا ينتظر الحل، ولن يتأتى ذلك إلا بفتح باب الحوار مع هؤلاء الأساتذة.

كما لا يغيب على مشاهد الفيديو، كثرة القسم باستخدام لفظ الجلالة الله، في محاولة للتـأثير على المشاهدين وجعلهم يقتنعون بما يتلقونه.

العبارة الثالثة: "بالفعل هادشي مكيصلاحش لينا كمغاربة وهذا هو الاصلاح اللي توافقنا عليه جميع في دستور 2011"

[بالفعل، هذا لا يصلح لنا نحن المغاربة، وهذا هو الإصلاح الذي توافقنا عليه جميعا في دستور 2011]

هذه العبارة الختامية تلخص ما سبق، لأنها تضع مطالب الأساتذة في تعارض مع مصلحة البلاد !!! وهذه أكبر مغالطة، فهؤلاء الأساتذة مشبعون بالوطنية ولهم غيرة على الوطن وعلى ما يقدمونه للمتعلمين، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجعل الوزارة الدستور سلطة على هؤلاء الأساتذة، إذ لا يمكن لدستور البلاد أن يتعارض مع مصلحة هؤلاء الأساتذة الذين عانوا الظلم والحيف وعدم الاستقرار بشكل فعلي داخل المؤسسات وداخل ردهات الأكاديميات.

2- التأثير الموسيقي

تجدر الإشارة هنا إلى أن نبرة الصوت السائل كانت تتغير فتعلو لتُشدد على بعض الأسئلة التي تراها الوزارة مهمة لجلب انتباه السامع، غير أن ذلك الصوت كان يتلون بنبرات تشرف على جعله موضع ضحك واستهزاء. وقد رافق الحوار الافتراضي موسيقا حزينة، تسعى إلى الـتأثير في المشاهد/ المستمع، وتسعى كذلك إلى جعل الحكومة ووزارتها في موقف الضحية من احتجاجات الأساتذة. والتأثير الموسيقي حيلة جديدة من حيل الوزارة في خطاباتها، ولكنها حيلة مكشوفة، إذ عليها أن تفتح باب الحوار على مصراعيه ليشمل كل الأطراف المعنية لإنجاح الحوار الاجتماعي، والتخلي عن العنف والقمع الذي يتعارض والحوار.



 عادل المجداوي