"يكثر الكذب قبل الانتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد" بسمارك

إذا كان المعروف عالميا، هو أنه لكل انتخابات تشريعية فضائها الزمني، يحدد تاريخه بدقة، ينتهي بمعارك سياسية، وفي الأخير بتشكيل الحكومة، وبعدها يتجه الجميع نحو العمل، حيث الأغلبية تدبر الشأن العام وتنفذ، والمعارضة تراقب وتحاسب. غير أنه في مغربنا الجميل، يبدو أن للانتخابات زمن ممتد، يبدأ ولا ينتهي، فالانتخابات عندنا تتحول إلى هدف ولم تعد وسيلة.

لذلك، نجد أن أحزاب الأغلبية الحكومية شرعت من الآن في التأكيد على أنها ستحكم سنة 2021، والمعارضة تقولها كذلك، غير أنه لا أحد حاول أن يفكر فيما قدمه ما بين 2016 و2021؟ أو على الأقل ماذا سيقدم ما بين 2019 و2021؟

فالأحزاب التي تضاجعت حكوميا داخل الأغلبية، تعيش حاليا الطلاق سياسيا، وصارت تستهلك الزمن السياسي في معارك "دونكيشوطية" حول من سيكون في 2021، وليس حول ماذا فعلوا الآن، وماذا حققوا خلال نصف الولاية الحالية، أو ماذا سيفعلون في النصف المتبقي للولاية، وهذا هو السؤال الذي يهم المغاربة.

إن الأغلبية الحالية قد غرقت في نظرة المصالح الذاتية الضيقة التي تنتجها العملية الانتخابية، وبات همها الأساسي هو التفكير في المواقع، وتركت الشأن العام للإدارة، أو لقرارات قد تأتي من هنا أو من هناك، لا يختلف فرقائها حول البرامج والتصورات، بل يتسابقون لتسجيل المواقف على بعضهما البعض وتبادل الاتهامات، وباتت إرادتهم غريبة، فعوض الصراع من أجل تنزيل البرنامج الحكومي، انحرفوا نحو التضحية باستقرار البلد من أجل كسب الانتخابات المقبلة، بعدما اختزلوا السياسة وقضايا الشأن العام ومشاكل المواطنين كلها في الانتخابات، والخوض في نقاش هستيري وسريالي حول دلالات الفصل 47 من الدستور، فهل سياسيونا باتوا لهذه الدرجة مستعدين للتضحية بكل شيء من أجل التواجد في الحكومات المقبلة؟ رغم أن الحكومة مجرد ومضة عين، لحظات معدودة وتخرج منها، بل قد تخرج منها خاوي الوفاض بسبب المطالب الكبيرة والانتظارات المتعددة.

إن صراع الديكة هذا حول الانتخابات، ما هو في واقع الأمر إلا إشارة سلبية من الفاعلين السياسيين مفادها أن المصالح الذاتية قبل الأفكار، والرغبات أكثر من الأهداف، بدون خجل يقولون للمواطنين يمكنكم أن تصبروا، بل وصابروا، فالفرج آت في 2016، واليوم يؤكدون لهم بأن الفرج الحقيقي آت لا محالة في 2021، وهلم جرا.

إن من أخطر نتائج انشغال الفاعل السياسي والحكومي بالانتخابات، هي إدخال السياسة في فراغ مضن، وفرض الانتظارية القاتلة على المواطنين، فالذين يأتون اليوم وهم يتحكمون في مفاصل إدارة أمور الناس، عليهم القول ماذا سيفعلون اليوم؟ وماذا فعلوا أمس؟ فهم ليسوا في المعارضة، حتى ولو كانوا يمارسونها من داخل الأغلبية الحكومية في حق إخوتهم الأعداء.

لقد تحول بعض السياسيون وجزء من الوزراء إلى متخصصين في هدر الزمن السياسي، وفي تأجيل مصالح المواطنين، ورهن مستقبل هذا الوطن، والمس بحق الشعب في حسن إدارة شؤونه، وسرقة مستقبله، والزج به في سجون الانتظار، إذ المواطن المغربي بات لا ينهي قصة حكومية حتى يدخل في أخرى، تارة محضر 20 يوليوز، وتارة أخرى أزمة المتعاقدين، ثم الأطباء، فالممرضين وغيرهم، فيغرقون في هذه التفاصيل، ويقتلون بها السياسة، بل حتى الأمل، وعندما يقتل الأمل في وطن، فإن الشعب يفقد بوصلته، وهذه جريمة لن تغتفر.


 

عبد اللطيف وهبي