إذا كان شعار " إرحل" قد جاء بصيغة المفرد في زمن المظاهرات و الاحتجاجات التي شهدتها بعض الدول العربية خلال ما سُمَي بالربيع العربي في سنة 2011 ، فإن الشعار الذي رفعه مئات الالاف من المتظاهرين الجزائريين احتجاجا على القرارات الأخيرة التي اتخذها النظام الجزائري الحالي فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية و بكيفية تدبير المرحلة الانتقالية استعدادا لإرساء دعائم نظام جديد، فقد جاء بصيغة الجمع " ترحلوا يعني ترحلوا".

فهذا الشعار يحمل في طيَاته مضامين و دلالات توحي بحالة نفسية عاشها الجزائريون خلال عقود اتسمت باليأس و الإحباط و التشاؤم بسبب تكرار نفس الخطابات و السياسات من لدن ساسة الجزائر منذ الاستقلال مستغلين ثورة فاتح نونبر1954 و شهداءها لدغدغة مشاعر الجزائريين و كسب ثقتهم، و متغاضين عن رسم مخططات و استراتيجيات تنهض بالاقتصاد الوطني و بالمستوى المعيشي لدى المواطنين خاصَة في زمن كان قد تعدَى فيه احتياطي العملة الصعبة مئتي مليار دولار.

فحالة الجزائريين النفسية لم يكن ينفع معها علاج طبَي بقدر ما كان يتعلَق العلاج بالترويح عن الأنفس عبر الخروج إلى الشارع ور فع لاآت : " لا للعهدة الخامسة " و " لا لتمديد العهدة الرابعة" و " لا لبناء سفينة جديدة بأخشاب قديمة" . فشعار " ترحلوا يعني ترحلوا" لم يأت من فراغ، بل أفرزه سخط شعبي تنفَس خلاله الجزائريون الصَعداء من جَراء ما لحقهم من معاناة في تسعينيات القرن الماضي ، ثم من أزمات اجتماعية و اقتصادية أدَت إلى تشتيت شباب الجزائر بسبب اليطالة و التهميش رغم مليارات الدولارات التي جنتها مالية الجزائر في أثناء ارتفاع اسعار البترول.

لذلك، يطالب الناقمون على الأوضاع ليس فقط برحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بل أيضا بتنحي كل رموز النظام الحالي الذين وهنت عظامهم و انحنت ظهورهم وشاب شعرهم ، و بالتالي انتهت صلاحيتهم و لم يعودوا يسمنون و يغنون من جوع بعدما سمَنوا أرصدتهم و أغنوا أهاليهم و ذويهم.

لذلك، فحسب المتظاهرين الجزائريين، فالرحيل لابدَ أن يكون جماعيا و ليس فرديا بمعنى أن حزبي جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديمقراطي و من يساندهما من الأحزاب الأخرى لابد أن يعوا و يفهموا أن الشعب الجزائري هرم من أجل هذه اللحظة التاريخية التي عبَر فيها عن سلميته و توقه إلى رؤية جزائر أخرى بساسة جدد يخدمون شعبهم و بلدهم.

فحينما يقول الجزائريون " لا لبناء سفينة جديدة بأخشاب قديمة" فإنهم يرفضون الحلول الترقيعية التي زادت الطَين بلَة في زمن العشرية النارية التي راح ضحيَتها آلاف الأبرياء إمَا قتلا أو اختفاء أو نفيا. فلقد صبر الجزائريون و صابروا و تصابروا أملا في حلَ لأزمات طال وقتها، فجاءت سياسة الوفاق الوطني لتضميد الجراح و طيَ صفحات تسعينيات القرن العشرين ، ثم المضي قدما نحو النهوض بالجزائر في شتَى المجالات الحيوية.

لكن، و للأسف، بقيت الأمور على ما كانت عليه على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي حيث لم يستقد كل الشعب الجزائري من إيرادات البترول و الغاز باستثناء أولئك الذين عُفي عنهم في إطار سياسة الوفاق الوطني إذ، بين عشية و ضحاها، أسسوا مشاريع تجارية، و انشغلوا بتطوير أعمالهم أمام أعين مواطنين حاروا في امر اغتناء أولئك التجار بعدما كانوا فقراء معدومين.

في سياق هذا الواقع المرير، ما يفتأ الجزائريون يتظاهرون في الشوارع رافعين شعارات فهم و استوعب النظام الحالي مضامينها، فسارع إلى اتخاد قرارات معتقدا أنها ستثني الجزائريين عن مواصلة التظاهر و الاحتجاج، لكنها عمقت الغضب و الامتعاض، ووسعت نطاق المظاهرات و الاحتجاجات التي أصبح ينضم إليها حتى من كانوا محسوبين على النظام لأنهم أدركوا أن الشعب لن يتراجع بل سيستمر إلى أن يحقق مطالبه في إطار السلمية و الأخوة، و هذا ما ظهر في شعار " الشعب و الجيش خاوة خاوة " و إن دلَ ذلك على شيء فعلى سعي الشعب إلى تمسَكه بمؤسَسته العسكرية في السَراء و الضرَاء خدمة لمصالح الوطن و المواطنين، و تحقيق ذلك يسترعي الحفاظ على الأمن و التزام الجيش الحيَاد حتَى لا يختلط العسكري بالسياسي، و تتيه البلاد مجدَدا في غياهب المآزق و الأزمات.

فمع توالي الوقت، زاد وعي الجزائريين بضرورة التغيير، فبادر الذين التزموا السكوت بالانضمام الى المحتجين على القرارات، حيث أمسينا نرى مئات المنتمين السياسيين يستقيلون من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، حليف حزب التحرير الوطني، وهذا في حدَ ذاته تعبير عن نضج سياسي يوثر مصالح الشعب على مصالح أفراد معينين.

وهذه التصدعات التي أصبحت تصيب الأحزاب السياسية الحاكمة دليل على أن الكفَة ستميل لصالح الشعب الملحَ على انسحاب و رحيل كل من شاخ في السياسة بلا جدوى. فحتى ممثَلو السلطة القضائية الذين حرموا من استقلالية القضاء عبَروا عن تضامنهم مع مطالب المتظاهرين و أصبحوا يرفضون تطبيق قرارات في حق المحتجين. و في الأخير، سيكون تاريخ 28 ابريل 2019 هو محدَد مصير الانتخابات الرئاسية في الجزائر طبقا لما ينص عليه الدستور الجزائري. فإن استمر تمديد العهدة الرابعة، فسيزيد غضب و امتعاض الجزائريين بسبب الإهانة و الإذلال. و بالتالي من اللازم على النظام أن يكون واقعيا و يرضخ لمطالب الشعب قبل فوات الاوان.

د. حراك الحسن للجزائر تايمز