بقليل من الواقعية والحياء وكثير من الحلم والافتراء، صرح القيادي في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان المصطفى الرميد، في إحدى جولات الحوار الوطني الداخلي للحزب بجهة الدار البيضاء- سطات يوم 16 مارس 2019، بأنه واثق من كون الحزب يملك من المقومات ما يؤهله لاحتلال الصدارة في الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في عام 2021، إذا ما تم احترام الديمقراطية والتنافسية النقية، لاسيما أنه تجاوز مرحلة الوهن والتشتت التي تسربت إليه بعد إعفاء أمينه العام السابق عبد الإله ابن كيران من تشكيل حكومته الثانية.

ويأتي هذا التصريح في إطار التدافع الانتخابي والرد على رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" الشريك الأساسي في الحكومة ووزير الفلاحة عزيز أخنوش، الذي كان أعلن بشكل مباشر عن طموح حزبه في الفوز بتشريعيات 2021، لإحدى المجلات الناطقة باللغة الفرنسية وخلال بعض اللقاءات الحزبية. حيث أن الرميد وعلى غرار ما ذهب إليه كبيرهم ابن كيران يوما من استهزاء، بتوجيه السؤال لغريمه عن عنوان المنجمة التي تكهنت له بالفوز، تساءل هو أيضا بنوع من الاستعلاء والتهكم عن شكل السلم الذي سيتم الارتقاء عبره من الدرجة الرابعة إلى الدرجة الأولى، ناسيا أن الطموح حق مشروع، وأنه بقوة الإرادة والإصرار والعمل الجاد والدؤوب يمكن للإنسان أو الحزب حرق عديد المراحل والدرجات، وبلوغ الأهداف المنشودة.

وليس غريبا على من توجسوا من تزوير الانتخابات التشريعية لعام 2016 لفائدة غريمهم حزب "الأصالة والمعاصرة"، وسارع كبيرهم السابق ابن كيران مرفوقا بوزير العدل مصطفى الرميد بالإعلان عن نتائجها من داخل مقر الحزب قبل وزير الداخلية محمد حصاد، أن يعودوا إلى التشكيك في نزاهة الاستحقاقات القادمة، علما أنهم تصدروا نتائج الانتخابات في ثلاث محطات متتالية. فما معنى ربط الرميد فوز الحزب باحترام الديمقراطية والمنافسة النظيفة، وتلميح رئيس الحكومة العثماني قبله إلى وجود هيئات سياسية تعول كثيرا على تحقيق الفوز في الانتخابات، اعتمادا على حشد الناخبين بالمال والإغراءات، وانحياز الإدارة لها. وأن يؤكد لحسن الداودي عضو الأمانة العامة والوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، خلال مشاركته في البرنامج التلفزيوني "حديث الصحافة" بالقناة الثانية، على أن الحزب سيربح الانتخابات، لغياب المنافس القوي والبديل الحقيقي. وهو القول الأقرب إلى الصواب، مادام أنه نسب الفوز فقط إلى انعدام المنافس والبديل.

فعلى الحالمين بالظفر بولاية ثالثة، والعودة إلى الجثم على صدور الناس ثانية، احترام قواعد اللعبة الديمقراطية، التحلي بالموضوعية في تقييم تجربة الحزب، الذي يقود الحكومة لأزيد من سبع سنوات، دون أن يأتي خلالها بغير "الجفاف" والفضائح والاحتقان الاجتماعي، ويتضح للجميع أن قيادييه ليسوا سوى فئة من الانتهازيين، الذين يقدمون مصالحهم الذاتية والعائلية ومصالح الحزب الضيقة على قضايا الشعب الأساسية، ويتهافتون على المناصب والمكاسب وتعدد التعويضات والأجور والزوجات...

فقد فقدوا كل المسوغات لتبرير فشلهم الصارخ، ولم يعد ينفعهم ترديد تلك الأسطوانة المشروخة، عن المعقول ونظافة اليد وثقة "المغاربة" في نواياهم الحسنة، التي جعلتهم يكتسحون الانتخابات الجماعية والجهوية في شتنبر 2015 وتشريعيات أكتوبر 2016، متناسين أن هناك عدة عوامل تظافرت وساعدتهم في ذلك، منها ضعف الأحزاب المنافسة، استغلال الدين في التظاهرات الحزبية والعمل الإحساني المتواصل، العزف على أوتار المستضعفين بخطاب المظلومية ونظرية المؤامرة، الحربائية في المواقف

وممارسة المعارضة من داخل الحكومة، فضلا عن التستر خلف المصطلحات الهلامية من قبيل التماسيح والعفاريت والتحكم والدولة العميقة.

بيد أن كل حيلهم لم تعد قادرة على حجب ألاعيبهم "السحرية"، وعدم أهليتهم لتدبير الشأن المحلي والوطني، ولا أدل على ذلك أكثر من الإفلاس الفظيع الذي ضرب مجالس المدن التي قلدهم المواطنون مسؤولية تسييرها، في الدار البيضاء والمحمدية والرباط وأسفي ومراكش وأكادير وفاس ومكناس وطنجة وتطوان والقنيطرة، والتي باتت أحياؤها تسبح في الأوحال والأزبال وتعاني ساكنتها من أزمة النقل وغيرها، جراء العقلية المتخلفة والافتقار إلى الكفاءة والخبرة وأبسط أبجديات التدبير الجيد...

فمن الوهم الاستمرار في الابتزاز الانتخابي والاعتقاد بعودة المواطن إلى التصويت على حزب خذله، وبدا عاجزا عن النهوض بمستوى المدن والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتحسين الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية وخلق فرص الشغل للعاطلين... ولم تبرع الحكومتان معا بقيادته "المترنحة" إلا على تنفيذ توصيات صندوق "النكد الدولي"، عبر تحرير أسعار المحروقات وإلغاء صندوق المقاصة، مما قاد إلى استنزاف القدرة الشرائية للمواطنين وإغراق البلاد في مستنقع المديونية، والاهتمام فقط بتقليص نسبة العجز في الميزانية وتحقيق النمو الرقمي للاقتصاد، في تغافل تام عن البعد الاجتماعي والحكامة الجيدة والتنمية الحقيقية التي تضع في صلب اهتماماتها دمج العنصر البشري وخاصة الشباب. مما أدى إلى تصاعد موجة الحركات الاحتجاجية، وإقرار الملك محمد السادس بفشل النموذج التنموي، وضرورة مراجعته ليصبح قادرا على تلبية المطالب الملحة للمواطنين.

للرميد أن يحلم كغيره باحتلال الرتبة الأولى، معتمدا في ذلك على كتلة الناخبين "الأوفياء" والذباب الإلكتروني، لكن ما لا ينبغي أن يغيب عن ذهنه هو أن المغاربة عازمون هذه المرة على نزع المقود للحزب الذي خيب آمالهم وأجهض أحلامهم، من حيث الإساءة إلى المشهد السياسي والمؤسسات والعقول، الإخفاق في محاربة الفساد واقتصاد الريع وتخليق الحياة العامة وإرساء نظام تعليمي حديث وديمقراطي والنهوض بالقطاع الصحي، والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية: الإضراب والتقاعد والوظيفة العمومية، وعجزه عن سن سياسات اقتصادية تنموية كفيلة بالحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية...



 اسماعيل الحلوتي