"صهيونية اليهود"، "إسلام داعش" و"مسيحية الرجل الأبيض"!؟

هل العيبُ فينا أمْ في غيرنا؟ هل مواطنُو دول الجنوب جميعها مذنبون بالولادة أمْ أنها مجرد مظلومية نرفعها في وجه العالم لنبرر تخلفنا؟

أحياناً يكون لعب دور الضحية هو المخرج الوحيد للتملص من المسؤولية، وانتقاد الآخر وأفعاله هو المناورة الملائمة لتبرير عجزنا عن الفعل. وحين يرتفع صوتُنا بالإدانة والتباكي يكون عادةً ردة فعل عن فعل الآخر...

هذا كلام يتكرر كلما حصل في هذه الأرض ما يستدعي منا وقفة إنسان واحد (إنسان فعلاً لا رجل ولا امرأة)، ومجزرة مسجدي "كريست تشورتش" بنيوزيلندا تستحق منا أكثر من وقفة، ليس لأن الضحايا مسلمون وكانواْ يؤدون صلاتهم في بيت الله ولكن لأنهم بشر من بينهم أطفال ونساء وشيوخ، ومن ورائهم عائلات وأحباب، تعرضواْ للتقتيل على يد شخص (ولا أقول إنسان) باسم إيديولوجية غاشمة.

هل تقف المسألة عند هذا الحد؟ هل بمجرد تقديم الجاني للعدالة ومحاكمته وإدانته تنتهي الحكاية؟

لا، هناك مذنبون آخرون...مذنبون بأفكارهم التي يبُثونَها ويحشون بها أدمغة الصغار قبل الكبار ليصنعواْ منهم مُسوخ عصرنا الحالي. حين يتحدث شخص ويكتب عن تفوق الرجل الأبيض على غيره من المخلوقات - بما فيها النساء البيض- وعن دونية الأعراق الأخرى وضرورة إخضاعها لسلطة الجنس الآري أو إبادتها... حين ينشر التطرف الديني والعرقي من هذا الطرف أو الطرف الآخر سمومه عبر وسائل الاتصال المتاحة اليوم ويحرض على كراهية وقتل كل من لا يدين بملته، فهذه جريمة كاملة الأركان لا تقل عن جريمة من حمل السلاح ونفذ التحريض على أرض الواقع وضد بشر عُزل.

سواء من يزرعون "مسيحية الرجل الأبيض" أو "إسلام داعش" أو "يهودية صهيون" يتفقون في نقطةٍ واحدة هي العداء للإنسانية وتبخيس الحياة البشرية وخدمة مصالح الرأسمالية المتوحشة والليبرالية الهوجاء التي تتنفس المال وتتغذى على الحروب والأوبئة والتدمير ولا تنتج سوى النفايات والربح لحفنة من الأشخاص الذين لا ملة لهم ولا وازع أخلاقي مقابل تفقير البشر أجمعين وإتعاسهم وتدمير حضارات تعود إلى آلاف السنين...

طبعاً، بفضل هذه الخدمات "الجليلة" التي يؤديها دعاة الكراهية والعنف والتطرف الديني والعرقي لأسيادهم تجد وسائل الاتصال على أشكالها مفتوحة في وجههم. ولا أدل على ذلك من بث "شبكة اللا اتصال الاجتماعي" فيسبوك لجريمة الإرهابي (الذي لا يسمى حسب الوزيرة الأولى النيوزيلندية) بثاً مباشراً لمدة 17 دقيقة بالتمام والكمال، وتساقط الضحايا على الهواء مباشرة. تذرع فيسبوك بعدم قدرته على مراقبة كل شيء ينشر على شبكته كما تذرع من قبل بأنه لم يكن على علمٍ ببيع المعطيات الشخصية لمستعمليه إبان فضيحة " كامبريدج أناليتيكا". لكنه لم يعتذر عن بث تلك الفظاعات. لماذا يعتذر ولمن يعتذر؟ ... لقطيع لا يريد أن يرى الحقيقة وهي ماثلة أمام عينيه؟

قبل سنوات عندما أقدم فيسبوك على إغلاق حساب شخص نشر صورة من لوحة "أصل العالم" فعل ذلك بفعالية لأن برنامجه الخارق الذي يعجز عن رصد الأسلحة والجثث اليوم قادر على رصد عري جسد المرأة أينما وجد! وأضيف "العري المجاني" فقط، أما ذلك الذي يدر إشهاراً ومالاً، فيا مَرْحَى!!؟


زكية حادوش