قبل وبعد بداية "الحراك الجزائري" أطلق مسؤولون تصريحات ذكّروا فيها الشارع المنتفض بـ"العشرية السوداء" و"الربيع العربي".

وفهم البعض أن هذه التصريحات هي "خُطّةُ لإجهاض الشارع الثّائر"، بينما رآها آخرون "مخاوف مشروعة وحقيقة".

من أويحيى إلى الإبراهيمي

فبعد أسبوع من الحراك قال رئيس الحكومة السابق، أحمد أويحيى، أمام البرلمان "إن المسيرات في سوريا بدأت بالورود وانتهت بالدم"، وردّ عليه نواب المعارضة بالتصفيق وأكدوا بأن المسيرات "سلمية تدعو إلى التغيير وترفض العهدة الخامسة فلا خوف منها" ثم غادروا القاعة.

نائب وزير الدفاع الجزائري ورئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، ذكّر الجزائريين في خطاب بـ"العشرية السوداء" (فترة الإرهاب في التسعينات)، وقال "هناك جهات تريد عودة الجزائر إلى سنوات الجمر (...) وهي منزعجة من رؤية الأوضاع مستقرة في البلاد".

جانب من الاحتجاجات وسط العاصمة الجزائر
 
جانب من الاحتجاجات وسط العاصمة الجزائر

الرئيس بوتفليقة نفسُه حذّر مما سماه "الفتنة" بعدما "حيّا" الجزائريين على سلمية المظاهرات في رسالة بمناسبة يوم المرأة العالمي في الثامن مارس، وهو المصطلح ذاته (الفتنة) الذي استعمله قبله رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس هيئة التنسيق في حزب جبهة التحرير الوطني، معاذ بوشارب، بعد يوم واحد من انطلاق الحراك، حيث قال "هناك من يحاول إشعال الفتنة"، وتعني الفتنة في المفهوم السياسي الجزائري "العشرية السوداء".

وذكّر بوشارب الجزائريين، أيضا، بـ"الربيع العربي" عندما قال "دول تعرفونها خرج فيها المتظاهرون بعشرات الآلاف من أجل مطالب سياسية واجتماعية، وفي آخر المطاف حين تسربت بعض أطراف الفتنة ضاع حلمها، فلا هي نالت مطالبها ولا تحققت أهدافها".

وكان آخر من تحدّث بهذه اللغة المبعوث الأممي السابق الأخضر الإبراهيمي وذلك في مناسبتين؛ الأولى عندما ساند "طرح" الوزير الأول السابق في التحذير من "السيناريو السوري"، والثانية في حديث للإذاعة العامة قال فيه "يجب الإسراع بإطلاق حوار بين المحتجين والسلطة في الجزائر للوصول إلى التغيير المنشود.. لا يمكن الحديث عن رحيل الجميع، ففي العراق رحل الجميع، فانظروا ماذا حدث".

ونفى الإبراهيمي أن يكون بصدد "تخويف" المحتجين، موضحا "يجب الانتباه إلى المخاطر الموجودة، فالحديث عن سوريا أو العراق لا يعني القول للشعب لا تتحرك (...) ولكن نقول لهم تقدموا بأعين مفتوحة".

"هناك مخطط للفوضى"

في هذا الصدد، قال المحلل السياسي محمد هدير إن خطاب السلطة "حقيقي، لأنه استند على مخاوف تدعمها وقائع حقيقية".

وأوضح هدير في حديث مع "أصوات مغاربية" بأن الجزائر "مستهدفة لاختلافها عن محيطها وامتيازاتها من حيث المقدرات والمساحة والموقع الجغرافي، ولن يسمح للشعب بالوصول إلى مبتغاه".

وحسب هدير فإن أطرافا "خططت لإطلاق حراك في الجزائر في 2010 لكنها تراجعت، حتى لا يتزامن مع الحراكات العديدة في العالم العربي، وما خلفته من انفجار للأوضاع".

وذكر المتحدّث بأن السلطة "أدركت الأمر متأخرة ولم تهدم هوة حدثت بينها وبين الشعب، خاصة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، حيث كانت تجري تعبئة حقيقية لإحداث صدام".

ولفت هدير إلى ضرورة الإسراع باختيار "الحراك الشعبي" ممثلين له حتى تسير الأمور في إطار دستوري والمرور إلى بناء الجزائر التي يريدها الشعب "لأن هناك من يدفع إلى عدم اختيار ممثلي الحراك حتى يحدث الصدام".

"السلمة دليل وعي الحراك"

من جانبه، استبعد الناشط السياسي والأكاديمي محمد أرزقي فراد "انزلاق" الشارع نحو الفوضى.

وكذّب فراد تصريحات السلطة بشأن إمكانية انفلات الأمور نحو العنف، وقال في حديث مع "أصوات مغاربية" بأن "الدليل على وعي الحراك هو السلمية التي تميزه بعد مرور أربع جمعات كاملة، لم تسجل فيها أحداث عنف أو قتل أو دعوات إلى العنف".

ولم يُخف المتحدّث ما سماه "حقيقة وجود مخاوف على البلاد"، واستدرك "كنا متخوّفين في الأول لكن بعدما رأينا مستوى الشارع وطرحه وابتعاده عن لغة العنف، عجزنا عن الارتقاء على مستوى هذا الشارع كنخب، بل إن مطالبنا لم ترق إلى مطالبه".

وختم فرّاد "الحقيقة أننا تخوّفنا من أن تدسّ السلطة بلطجيتها لتكسير الحراك، ونحمد الله أنها لم تفعل، وحتى نسدّ باب احتمال الفوضى، بقي على الحراك أن يتحمّل مسؤوليته ويختار ممثليه لنسير في إطار دستوري".