هذا الصباح كل شيء يبدو جميلا، أين تختبئين أنت، يا ملهمة هذا الجمال؟ الشارع شبه فارغ، أجلس وحدي بالمقهى، تذكرت اليوم صديقي نيتشه وها أنا أعيد قراءة كتابه "نقيض المسيح" للمرة الثالثة، بصراحة لا أعرف لماذا؟ لكني أشعر أنه يجيب على العديد من الأسئلة التي تشغل بالنا اليوم، أغلب أصدقائي لم يظهر لهم أثر هذا الصباح وهذا من حسن حظي لأتأمل في وجه المدينة الحزين، لا شيء تغير، العربات المجرورة تجر تاريخا من الفقر، وسيارات الأجرة بلونها الأزرق تتحرك بسرعة تسابق الزمن، من أجل ماذا؟ أغلبهم يقولون نفس الكلام، "الخبز الحافي "، الناس يمرون ذهابا وجيئة، على قِلتهم يرسمون لوحة تُسَرُعِهَمْ لقضاء مآربهم، أريد أن أخبركم بأن الحياة جد رتيبة إلى درجة أن لا أحد يكلم الآخر، موضوع قتل الأبرياء بمسجد بنيوزيلاندا يملأ الشارع من خلال تلفاز المقهى، تمنيت لو كتبت شيئا عن هذه الحادثة المؤلمة، لكن لم أجد الكلمات، أعرف أن العالم دخل في حداد منذ مدة طويلة بسبب إرهاب التعصب والتمييز.

تاريخيا، الدين يصنع الفُرقة بين الجماعات عند ما تعتبر كل واحدة أن دينها لا مثيل له ولا يشبه الأديان، فتحتل لغة الموت رقعة العالم وتنقرض لغة التسامح، ليسوا وحدهم مذنبين من قتلوا المسلمين، كلنا مذنبون عندما نصمت كل يوم على غلق المدارس التي تعلم تقاليد الحب، كلنا مذنبون عندما لا نطالب بأن يتم إدراج ثقافة الحب في مقرراتنا الدراسية لأطفالنا، لن يتوقف القتل، لن يتوقف الموت في كل أرجاء العالم، ستزداد معدلات الموت وفي كل مرة في مسرح من المسارح، ما لم نقل الحقيقة للأجيال القادمة، على الحكام العرب أن يعتذروا لشعوبهم عن الإهمال، عن التهميش، عن القمع الشرس، عن الجوع، عن الكبت التاريخي الطويل الذي يسكنهم، صدقوني أن الآتي سيكون موحشا، وأكثر إيلاما وأكثر دموية، سيبكي الجميع من الفظاعة، وستقفون كلكم حائرين من هول المشاهد، ولن تستطيعوا تصديق ذلك، سيكون الأمر أكثر غرابة، وأكثر مفاجأة.

حان وقت الجرأة، الجرأة وحدها ستداوي كل الأمراض والجروح، والآثام، حان الوقت لتتخلى كل الدول الإسلامية عن الدين كأداة من أدوات الانتشار والتحكم والعزة، علينا أن نتعلم أن العزة لله وحده ولرسوله، حان الوقت ليتم فصل الدين عن الدولة، التدين حق شخصي بين الفرد المسلم وربه، على الحكام العرب أن يكفوا عن الاختباء وراء الدين، علينا أن نستمع للآخرين، علينا أن نستمع إلى الصوت النقيض كما قال نيتشه، ما صرح به عمدة استراليا يجب أن نتوقف عنده كثيرا ونتحسس الرسالة جيدا، فعندما يقول إن المسلمين يقتلون منذ القرن السادس عشر وإن الدين الإسلامي دين التوسع والعنف وشعار المسلمين إما أن تدخل الإسلام أو تصبح عدوا، هذا الكلام رغم ما فيه من الإدعاء يجب أن ننصت إلى محتواه ونأخذ الأمر بالجدية الكافية وببعد النظر.

لا أريد أن أتعمق كثيرا في خلفيات الموضوع لأنه جد متشعب، ويحتاج إلى الكثير من التأمل والنظر كما يحتاج إلى إرادة حقيقية من طرف الجميع، حكاما وسياسيين ومثقفين وباحثين وتربويين، ومراكز البحث، وغيرهم... إن الأمر يستحق وقفة تأمل حقيقية، ولهذا لا أريد أن أفسد على روحي هذا الصباح بهذا الموضوع المحزن والمقلق والخطير، أريد أن يمر هذا اليوم وهو يوم عطلة نهاية الأسبوع في سلام ومحبة، أريد أن أتذكر فيه كل ما هو جميل، وأريد أن يشعر معي العالم بأكمله بهذا الحب وهذا السلام الداخلي، ولا يمكن أن يتحقق هذا السلام إلا بمحبة الله، بصدق المحب، بمحبة الآخر، هذا الحب هو وحده ما يجعلنا نقرب كل المناوئين لنا، علينا أن نصافحهم بصدق، كيف ما كان انتماؤهم، ولم لا نقبلهم على الجبين، علينا أن نتشبث بالمحبة ونعتبرها دائما ورودا نقدمها للأعداء في كل الأوقات.

عبد الكريم ساورة