بعدما فشل السيد بنكيران في تشكيل الحكومة في نسختها الثانية، وبعدما فتح أبواب البلد على المجهول لأكثر من خمسة أشهر، تدخل جلالته لإنقاذ الوضع الذي تسبب فيه أساسا عدم نضج المادة 47 من الدستور؛ فرغم أنها نصت على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات، إلا أنها تركت الحبل على الغارب، فلا هي حددت طبيعة هذه الشخصية المعينة، ولا هي قيدت تشكيل الحكومة بآجال محددة، ولا هي أعطت بدائل دستورية في حالة عجز هذا الرئيس المعين عن تحقيق المراد.

بالعودة إلى نص بلاغ الديوان الملكي الذي أنهى تكليف السيد بنكيران، يتضح بجلاء أن المؤسسة الملكية واعية تمام الوعي بالمهام الدستورية المنوطة بها، وبأنها تملك السلطة التقديرية للوعاء الزمني الأقصى الذي من المفروض أن يستغرقه تشكيل الحكومة، وأنها تملك خيارات دستورية موازية، من بينها إعادة التعيين من داخل الحزب نفسه أو من أحزاب أخرى؛ فالملك، بموجب أنه الضامن لاستقرار الوطن والمعني بحماية اختياراته الديمقراطية، لا تنتهي صلاحياته عند تعيين رئيس الحكومة، بل إلى حين تنفيذ المقصد الدستوري من تعيينه.

لقد جاء في نص البلاغ: "فقد قرر، أعزه الله، أن يعين كرئيس حكومة جديد شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية، وقد فضل جلالة الملك أن يتخذ هذا القرار السامي من ضمن كل الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نص وروح الدستور"، وهذا يعني أن البلاغ قد أرجع فشل المشاورات إلى شخص بنكيران وليس إلى حزب العدالة والتنمية، وإلا لكانت إعادة التعيين من داخل الحزب نفسه مجرد عبث.

إن نجاح العملية السياسية لحزب ما لا تنتهي عند امتلاكه لاستراتيجية ناجعة للفوز في الانتخابات، بل تتعداها إلى امتلاك خطة عمل تُغري باقي المكونات السياسية من أجل القبول بالانضمام إلى الحكومة التي يرغب في تشكيلها، وفي حالة الفشل في تحقيق المهمة الثانية، فإن الفوز في الانتخابات سيكون فوزا بلا طائل؛ وبالتالي، فإن اختيار شخصية من غير الحزب المتصدر لتتولى تشكيل الحكومة لا يعد انحرافا عن المسار الديمقراطي، مادام أنه سيجنب الوطن الأَمَرَّيْن، ومادامت الحكومة في نهاية المطاف ستتشكل من أكبر تمثيلية للشعب.

إن عدم تقييد تعيين رئيس الحكومة بشرط تزعم الانتخابات من شأنه أن يعطي مزيدا من الضمانات لتحقيق أكبر منسوب من الشفافية والنزاهة، ومزيدا من التطمينات على حسن سير العملية السياسية، خصوصا لدى حزب العدالة والتنمية، الذي لا يمل من ترديد أسطوانة التلاعب بصناديق الاقتراع، واستمالة المواطنين، واستعمال المال الحرام الذي قد يكون حاسما في استبعاده عن الزعامة؛ لذا، من الواجب أن تظل المادة 47 درعا واقيا لتصحيح جميع منزلقات الاقتراع، وإنصاف الأحزاب السياسية الجادة والنزيهة، التي قد تهوي بها انحرافات العملية الانتخابية من صرح التربع على نتائج الانتخابات.

هذا، وبعدما أصر البرلمانيون والوزراء على عدم التخلي عن تقاعدهم بعد انتهام مدة انتدابهم، لم نعد أمام مهام تمثيلية صِرفة تقتضي أجرة وقت الاشتغال في مجال تمثيل الشعب، بل أمام مهنة لا تكفي فيها نتائج صناديق الاقتراع لكي يحظى بها السياسي، بل وجب أيضا مراعاة الكفاءة مثلما تستوجب أية مهنة أخرى، لهذا كان علينا أن نثور في وجه التضييق الذي يطال المادة 47، والذي قد يجعل البلد أحيانا رهينة في أيدي أناس لا كفاءة لديهم ولا مؤهلات، وكل ما هنالك أن رياح غزوة الصناديق قد هبت في يوم سَعْدِهم فتصادفت معهم في الميعاد.

 

نور الدين زاوش