كم أصابني الهلعُ عندما سمعتُ تصريحات بعض المتظاهرين والمتظاهرات التي أخذها منهم بعض الصحافيين من  وسط  ساحات  التظاهر ، وشَـدَّ  ما  أفزعني  سماع  تصريح  أحدهم  يقول  "  يحيى  العسكر "  والذي  ررده  كثير من  النساء  والرجال  ربما  بحسن  نية .. وهذا  التصريح  يقابله  تصريحات  تُـثْـلِجُ  صدورَ أحرار الجزائر ومِنْ أروعها تصريحات  أدلى بها للصحافيين مشاركون في هذه  المظاهرات هو : " اليوم  استقلت الجزائر، اليوم  هو  يوم  استقلال  الجزائر الحقيقي " و"هذا هو  يوم عيد الاستقلال  الحقيقي للجزائر "... ويقصدون طبعا  يوم الجمعة  22 فيفريي 2019 .

في الحقيقة  يعتبر الجيش هو العمود الفقري لأي دولة ، لكن  الجيش  في العالم له صلاحيات محدودة  دستوريا  وتتلخص في حماية الحدود من الأعداء  الخارجيين ، أي الجيش لحماية الوطن من أعداء  الخارج  ولا  علاقة  له  بالسياسة  و يُمْنَعُعليه  دستوريا أن  يخوض في أمور السياسة ، لكن تجربة  الجزائر مع الجيش تجربة مريرة منذ حوالي 58 سنة أي  منذ  انقلاب  تيار  العسكر على  المدنيين  في  ثورة  الفاتح  من نوفمبر  1954  يوم  قام  بومدين وعصابته  بانقلابه  على الحكومة  المدنية  المؤقتة  برئاسة  فرحات عباس وبعده  يوسف بن خدة ، حيث أمسك  جناح  العسكر بقيادة بومدين  بزمام  السلطة  داخل  قيادة  الثورة  ، وكان  ذلك  اليوم  انقلابا  على  الشرعية الثورية  خاصة  حينما أصدر بومدين  البيان رقم واحد معلنا  فيه "  استقالة هيئة الأركان العامة  في 15-07 – 1961 البيان رقم 1 في الانقلاب على الحكومة المؤقتة "...هذا هو تاريخ  الاغتيال الغادر لمبادئ ثورة  الفاتح نوفمبر 1954  وانقضاض العسكر على السلطة  والتمسك بها  بأي  ثمن ومهما  كانت الظروف  إلى  الآن  أي خلال  57 سنة ، فهل يستطيع  الشعب أن يخرج  من  تحت ( صباط)  العسكر  من خلال  ثورته  المجيدة  بتاريخ 22  فيفريي  2019  التي  لاتزال مستمرة  إلى اليوم ؟

الجيش من الشعب  والشعب  مصدر السلطة  وهذه  معادلة  صعبة الحل  في الجزائر :

من أكبر الأكاذيب والنصب  والاحتيال  التي  اعتمدتها  عصابة  بومدين الحاكمة و لتشديد  الخناق على الشعب هو الترويج  لأكذوبة  تقول : "الجيش هو جيش الشعب  ومن  الشعب" ، ونسألهم : هل  الجيش  يحكم الشعب ويقتل  زينة  شباب  الشعب في  أكتوبر  1988 وفي العشرية  السوداء في التسعينيات من القرن الماضي ، بالإضافة إلى  كونهعصا  غليظة  في  يد  العصابة الحاكمة  تهدد بها  الشعب ؟  وليس  تهديد القايد صالح للشعب الذي  خرج  بالملايين  منذ 22  فيفريي 2019 ،  ببعيد  بالإضافة  لتهديد  أويحيى  صاحب  المهام القذرة  رغم أن  النظام  يسمع  كلما  خرجت  ملايين من الشعب إلى الشارع  تردد ( سلمية  سلمية  سلمية  )  رغم ذلك  فمافيا  الكوكايين الجاثمة  على صدر الشعب  قد أعمى  الله  بصيرتها  ولم  تفهم  بعد  معنى  ذلك ،  فهل  فهم  صغار الضباط  والجنود  في الجيش  معنى ذلك ؟ لأن  الجنرالات  لن  يفهموا  شيئا  سيكون  سببا  في  زوال  نعمتهم  إلى الأبد ...

اليوم  وبعد  انفجار ثورة 22  فيفريي 2019  وبعد أن نادى الشعب  في  وجه  رجال الأمن  بشعارات  مثل  (  غير  دقيقة  ورواح  معانا  )  في إشارة من الشعب  إلى  رجال الأمن  الذين  هم  من الشعب  ليأخذوا  ولو  دقيقة  وينضموا خلالها  إلى الشعب ...واليوم  من الأكيد  أن  الشعب  قد تخلص  من عقدة  حكم  العسكر لأن  العالم  كله  يشاهد  تظاهراته  السلمية  الحضارية  ، واليوم  لقد  انتزع  الشعب  السلطة  من  يد عصابة  بومدين  ليعيدها  إلى  الجزائر  لتكون سلطة  مدنية مدنيةمدنية  مدنية  ووداعا   لسلطة العسكر  الذي  يجب  عليه  أن  يحمي  هذه  الثورة  بما  في يديه من  سلطات : الأمن  والدرك الوطني و بل حتى  المخابرات  يجب أن تكون  شعبية  وتحمى الوطن فقط  من  أعداء  الخارج لا غير ..إذن  لقد استطاع  شعب  المليون ونصف مليون  شهيد  أن  يحل  معادلة ( الشعب  مصدر السلطة )  وبسلمية  أبهرت  العالم ...

من هم أعداء  ثورة  22 فيفريي  2019  ؟

أعداء ثورة  22  فيفريي 2019  هم  كبار الجنرالات  الذين  يروا  ثورة  22 فيفريي 2019 ستكون  سببا  في زوال  نعمتهم  إلى الأبد ، وأما الذينيحاولون   تمجيد  الجيش  خلال  هذه  الثورة المجيدة  فهم  قد  اختاروا  لأنفسهم  السيناريو  المصري  الذي  انتهى  به الأمر للسقوط  في  فخ  العسكر  بحجة  حماية  الشعب من  الخونة  الافتراضيين ولا يزال  الشعب المصري يعاني  من  الفوضى ... أما  في  الجزائر فنلاحظ أن  هذا  النظام إذا تحدث إلى  الشعب  فهو لا يتحدث  عن الشعب  الثائر  اليوم  بل يقصد جماعة  الشياتة  الكبار والصغار التي  استغنت و كسبت  ثروة  هائلة  من النظام  القائم  و بسبب وجوده  منذ  1962  أي  57  سنة  من  الشيتة  والارتزاق   بهذه  الشيتة  ،  وهذه  الجماعة  قد  أفرزتها  الحِـيَـلُ  والأكاذيب والمكر  والخداع  والخسة والدناءة  التي يتميز بها  النظام  الحاكم ، وهي  صفاتٌ تجمع  بين  العصابة  المجرمة  الحاكمة  وهذه  الطبقة من الشياتين  الكبار  والصغار . ولذلك  يمكن  تسمية  هذه  الفئة من الشياتين  الكبار  والصغار بشعب  النظام ، فهؤلاء  عملاء  للنظام  في الماضي  وسيبقون  عملاء  لأي  نظام  مستنسخ من هذا  النظام  كما  أراد  ذلك  الأخضر الإبراهيمي  وغيره  من  مستشاري عصابة بومدين ... ويتعبر شعب  النظام  هذا  من  أكبر أعداء  الثورة  بالإضافة إلى :

1) أحفاد سلالة  الأقدام  السود  في الجزائر

2) أحفاد  الحركي  من  الخونة ..

3) أحفاد سلالة  الزواف (zouaves) ..

4) أولاد  وأحفاد  الخونة  الجزائريين الذين  خانوا  الثورة   أثناءها  وبعدها ..

5) دفعة لاكوست  من  عساكر جزائريين متخرجين من المدرسة الحربية الفرنسية  سان ميكسان  بباريس ، دفعة لاكوست التي  تسللت  للثورة  الجزائرية بفضل  دعم  بومدين  حتى أصبحوا  عناصر قوية  في عصابة بومدين  وهم الذين كان يدافع عنهم  في  كل مناسبة .

6) النبتة الخبيثة التي  ظهرت  في  كل الأزمان  لكنها  تَـغَـوَّلَتْ  في  زمن  بوتفليقة ،  وهذه النبتة  الخبيثة  هم  الشياتة  الكبار  والصغار  الذين  ذكرنا  سابقا ... فالشياتة  الكبار هم  المحيط  الذي يحيط  بالرئاسة  من خدام  قصر  المرادية  حتى وإن  لم  يدخلوه  قط  لكنهم  هم  أول  المستفيدين  من  عطايا  القصر بصفة  مباشرة  أو غير مباشرة ، مثل الأصدقاء  المدنيين والعسكريين الأقل  رتبة  من الذين  يضربون  الشيتة  لأصغر  عنصر  يتخطى  أعتاب  القصر المعظم . وصغار الشياتة  كانوا يقتاتون ولا يزالون من  فتات موائد  الشياتة  الكبار ويدافعون  عنهم  في السراء  والضراء  ولا  علاقة لهم  بالشعب  لأن  الشعب  ينفر منهم  لأنهم  ليسوا  من  طينته ..

7) ومن أعداء  ثورة  22  فيفريي  2019  أيضا  المتشككون  في  قدرة الشعب الجزائري  على  فرز  نخبة  سياسية  جديدة  منه  وإليه   بعد  رحيل  نظام  عصابة  بومدين  التي  أوصلت  الجزائر إلى  الحضيض  السياسي  والاقتصادي ، ويظهر  ذلك من  خلال  تسرعهم  في   والتساؤل  الدائم  و المُغْـرض  عن  مصير  الثورة  الهادرة لأن  الخوف  قد ركبهم  من  زوال  نعمتهم  ويتساءلون  عن  مصيرهم  قبل  أن  تبلغ  الثورة  أهدافها ،  فلن  يعيد  التاريخ  نفسه  بالتسرع  الأرعن  في البحث  عن  حَـلٍّ  فَـجٍّ  ومُبْتَسَرٍ  لهذه  الثورة  أي  حل  قبل  أن  تحقق  أهدافها  النهائية ...

حينما  ستبلغ  إن شاء الله  ثورة  22  فيفريي  2019  أهدافها  برحيل  آخر  مجرم  من  المجرمين  الحاكمين  ستفرض  الظروف  حلولا  تختمر  اليوم  والآن  في  أدمغة  عقلاء الشعب  الجزائري  الحر  ، حلولا  لن  تخرج  عن النهج  الديمقراطي  الحقيقي  إذا  احترم الجيش  حدود  صلاحياته  وترك الشعب  يقرر  مصيره  الديمقراطي  بشتى  الوسائل  المعروفة  عند أصغر  طالب  جامعي  والتي  لخصها  علماء السياسة  بأن  يحكم  الشعب  نفسه  بنفسه ، وهو  ما  حُـرِمَ  منه  الشعب  الجزائري  تحت  ذريعة  قالها  عبد المالك  سلال  ذات يوم  تعني أن الشعب  غير ناضج  حيث  قال  :  " الجزائريين شعب لا يعلم أين هي مصلحته " !!!!  فما رأيك  يا سلال   في  هدير  هذا الشعب  الذي  خرج  ولن  يعود  إلا  وقد  انسحب  من  تحت  ( صباط )  العسكر  الذي  كان  يحميك  ويحمي  شعب  النظام  ،  فلتستعدوا  للمحاسبة  أيها  اللصوص  الذين  سرقتم  ثورة  فاتح  نوفمبر  1954  ومبادئ  ثورة  فاتح نوفمبر وبِعْـتُمُوهَا  في  سوق  النخاسة  في  إفريقيا  وبعض  دول  الموز  بأمريكا  الوسطى  والجنوبية  لتتفرغوا  لسرقة  آلاف  ملايير  الدولارات  من  أرزاق  الشعب  الجزائري طيلة  57  سنة  وأكثر .

فحذاري من أعداء  ثورة  22  فيفريي  2019  الذين  يعملون لإجهاض  هذه الثورة  والقفز  على  نتائجها  قبل  أن  تنضج ويقطف  الشعب  الجزائري ثمارها  في  وقتها  وليس  قبل  وليس بعد ، فَـقِـطَافُ  ثمار هذه  الثورة  سيكون  إن شاء الله  في الوقت المناسب حتما ... والله ولي  التوفيق ..

وموعدنا  مع  الخروج  من  تحت ( صباط ) العسكر  بسيناريو  جزائري  جزائري  لا دخل لأحد في عبقرية  هذا  الشعب  الذي أراد  وسيكون  له -  بعون الله -  ما  يريد  بمشيئة  الله.

ومن لا يزال  يحلم  بظل  العسكر  يستظل   تحته  فما عليه إلا  أن  يودع  سيف العسكر وظله  إلى الأبد ...

 

 

سمير كرم  خاص للجزائر تايمز