عندما نتحدث عن دور المرأة المغربية في أي مجال من المجالات، لا بد لنا من العودة إلى الماضي للوقوف على ما قامت به خلال المراحل السابقة حتى نقف على شجاعتها ومكانتها وما تتحلى به من خصال حميدة، وما تتوفر عليه من مؤهلات لا تقل عن الرجل؛ فمنذ مرحلة تأسيس الدولة المغربية كانت المرأة حاضرة بقوة، ومن الأمثلة على ذلك:

- ما قامت به السيدة كنزة، زوجة المولى إدريس الأول، من دور أساسي وما كانت تتمتع به من حنكة وخبرة كبيرة ساهمت بقدر كبير في تأسيس الدولة المغربية في ظرفية جد دقيقة.

- ما قامت به السيدة زينب بنت إسحاق النفزاوية، زوجة يوسف بن تاشفين، التي كانت تحظى باستشارتها وكان لها رأي في تسيير الدولة لما كانت تتوفر عليه من مؤهلات كبيرة.

- ما قامت به السيدة يطو، زوجة موحى حمو الزياني، التي ساهمت في جعل زوجها بطلاً واجه الفرنسيين في معركة الهري الشهيرة.

- كما أن المرأة المغربية كانت حاضرة أثناء التوقيع على وثيقة 11 يناير 1944 للمطالبة بالاستقلال من خلال الراحلة مليكة الفاسي.

ونظرا لمكانة المرأة لدى الشعب المغربي وما تحظى به من تقدير واحترام، فقد كلف الملك الراحل محمد الخامس عند زيارته إلى مدينة طنجة في 11 أبريل 1947 الأميرة الراحلة للا عائشة بتقديم خطاب كان له وقع كبير في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب؛ كما أنها كانت حاضرة في النضال من أجل إخراج المستعمر واستقلال المغرب مثلها في ذلك مثل الرجل، من خلال ما قامت به الراحلة ثريا السقاط والراحلة فاطمة اعزاير (أمي فاما)، والراحلة رحمة حموش المعروفة باسم "رحمة البهلولية"، وشهيدة الوطن ثريا الشاوي.

دور المفكرين والحركة الوطنية في الدفاع عن المرأة:

خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي انتشرت الخرافة بشكل كبير وسط الشعب المغربي، ما حال دون قيام المرأة بدورها على الوجه المطلوب، وهو ما كان سائدا وسط المجتمعات العربية والإسلامية التي كانت في مجملها ترزح تحت الاستعمار، ما جعل العديد من العلماء والمفكرين يبذلون مجهودات كبيرة لإزالة هذه الصورة السلبية، تمكيناً للمرأة من القيام بدورها على الوجه المطلوب. ومن الأمثلة على ذلك ما قام به:

- رفاعة الطهطاوي

- قاسم أمين

- سلامة موسى في مصر

وما قام به بعض الفقهاء والمفكرون ورواد الحركة الوطنية المغاربة، من أمثال الشهيد المهدي بنبركة الذي تقدم بمذكرة إلى صاحب الجلالة المغفور له محمد الخامس بتاريخ 6 مارس 1943. ويخبرنا العلامة عبد الله الجراري في كتابه "من أعلام الفكر المعاصر بالْعُدوتيْن الرباط وسلا" بأن السلطان سيدي محمد بن يوسف استدعى رؤساء جمعيات قدماء تلاميذ المدارس "العصرية": من فاس السيد امحمد الزغاري (رئيس جمعية قدماء كوليج مولاي دريس)، ومن مراكش السيد العربي بن الحسن العلوي، ومن الرباط الشهيد المهدي بن بركة (رئيس جمعية قدماء تلاميذ كوليج مولاي يوسف) لبحث موضوع طرحته السلطات الفرنسية يتعلق بكيفية تأسيس أول الأقسام الابتدائية لتعليم البنات.

ويبدأ الشهيد المهدي بن بركة المذكرة بالتأكيد على أن تأسيس تعليم ابتدائي للبنات مسألة ضرورية لكل تعليم ثابت الدعائم ولكل تربية قوية الأسس، "حتى تستطيع الفتاة المغربية القيام بالمهمة الاجتماعية التي تنتظرها في دائرة ديننا الحنيف وأخلاقنا السامية وعاداتنا المرعية".

وتتلخص المذكرة في محورين:

- تقييم واقع التعليم السائد "لأننا لا نرتاح تمام الارتياح للتعليم الحالي".

- وضع أسس جديدة لتعليم البنات "حتى تصبح المرأة عاملا قويا في رقي مجتمعاتنا وسعادته".

ومن بين برامج الدراسة:

1- العلوم العربية

2- العلوم الفرنسية

3- مواد خاصة بالتدبير المنزلي ودروس التربية الصحية وتربية الأطفال. ويقترح المهدي بن بركة أن تستعمل اللغة الفرنسية، ولكن (مؤقتا) لدراسة هذه المواد إلى حين تكوين الأطر التدريسية المغربية.

4- الأشغال اليدوية والرياضة البدنية، "إذ إن العقل السليم في الجسم السليم".

وما قام به الزعيم الراحل علال الفاسي في بعض كتاباته، وبالأخص في كتابه "النقد الذاتي" سنة 1949، الذي وقف طويلا في الباب الرابع حول الفكر الاجتماعي على العديد من القضايا الأساسية التي تهم المرأة، ومنها :

- المرأة المغربية بين العرف الجاهلي والعمل الشرعي.

- تعدد الزوجات.

- الطلاق.

- حقوق المرأة المدنية.

وانتقد بحدة العديد من السلوكيات التي تحط من قيمة المرأة ومكانتها، والتي تتنافى مع الدين الإسلامي الحنيف.

حضور المرأة في جميع المجالات:

ومع التوسع والتطور الذي عرفه مغرب ما بعد الاستقلال واكبت المرأة المغربية كل ما وقع في جميع المجالات، وتمكنت من أن تحتل جميع مواقع المسؤولية بندية مع الرجل، كلما أتيحت لها الفرص وأزيلت أمامها العراقيل التي تحول دون ذلك بسبب الثقافة السائدة في المجتمع المغربي، والتي توسعت وترسخت في مرحلة الاستعمار كما أشرنا إلى ذلك، غير أنها على مراحل أصبحت تزول. كما أن المرأة المغربية كانت حاضرة في جميع المراحل الماضية في مجال العمل، سواء في البوادي أو القرى، حيث كانت تشتغل في الحقول كما هو الشأن في الشمال أو في الجنوب أو في الأطلس أو في جميع المناطق والبوادي المغربية؛ وفي المدن كانت تشتغل في قطاعات الصناعة التقليدية بجميع مكوناتها.

مشاركة المرأة المغربية في العمل النقابي:

مع نشوء وتطور الصناعة العصرية، وتوسع الإدارة العمومية، بدأت المرأة تنخرط في العمل النقابي من خلال النساء الأرامل والمطلقات، وخاصة في قطاع الصناعات الغذائية، مثل تنقية البذور؛ ثم بعد ذلك في منتصف السبعينيات والثمانينيات فما فوق التحقت بالعمل الفتيات اللواتي لم يتمكن من مواصلة دراستهن، وخاصة مع إحداث العديد من المعامل بمختلف المدن، ومنها على الأخص معامل الخياطة la confection ..هذا القطاع الذي عرف توسعا كبيرا وأصبح يُشغل الآلاف من العاملات بمختلف المدن المغربية، مثل الدار البيضاء وفاس والرباط ومكناس وطنجة، وانتشر بعد ذلك في باقي المدن المغربية. ثم امتد حضور المرأة إلى باقي مؤسسات القطاع الخاص.

وعلى مستوى قطاع الوظيفة العمومية فقد عرف حضور المرأة توسعا على مراحل، مثل قطاع التعليم والصحة، ثم انتقلت إلى جميع القطاعات؛ وعلى مستوى تحمل المسؤولية بدأت تأخذ مسؤوليتها في مختلف الأجهزة النقابية، بما فيها المكاتب النقابية والاتحادات المحلية والجهوية والمكاتب الوطنية للنقابات القطاعية والمكاتب التنفيذية لمختلف المركزيات النقابية. والسبب الرئيس الذي يجعل المرأة أقل حضورا من الرجل هو المسؤولية العائلية، لكونها تقوم بالعمل نهارا وتباشر بعد ذلك الأشغال المنزلية بعد خروجها من العمل، ولعل انشغالها بتربية الأطفال وتكوين أجيال المستقبل كان له تأثير على حضورها في جميع المجالات، ما جعل الرجل يبدو أكثر حضوراً منها. وما يحصل في العمل النقابي يمكن أن يحصل أيضا في باقي المجالات الأخرى، وهو ما يُخَلِّفُ انطباعاً يُوهِمُ بأن المرأة أقل كفاءة من الرجل.


 

عبد الرحيم الرماح