برا بوعده و"عهده الملكي"، وضع محمد الخامس خاتمه الشريف على صك تأسيس المجلس الوطني الاستشاري سنة 1956، متمنيا أن يحقق بهذه المؤسسة إشراك الشعب في تسيير شؤون البلاد وبعث روح سياسية عامة.

وكانت هذه أول خطوة في تاريخ المغرب الجديد لبناء مؤسسات سياسية حداثية في أفق تشكيل "برلمان"، كما كانت هذه الخطوة بمثابة مأسسة للملكية الدستورية، حيث يقول محمد الخامس: "لقد خطونا بتأسيس مجلسكم الخطوة الأولى نحو تأسيس الملكية الدستورية والنظام الديمقراطي"؛ ولكن ما هي مهام الديمقراطية البرلمانية في المغرب؟

يرد الملك بأنها "يجب أن تؤدي... مهمة تحريرية بناءة وتشعر المواطن بمشاركته في المسؤولية وتحقق التعاون بين الحاكمين والمحكومين في جو ملؤه الثقة والوئام... فعلى الذين انتدبناهم لإبداء الرأي في الشؤون العامة أن يضعوا ذلك نصب أعينهم، وأن يسير نظرهم إلى تلك القضايا والمشاكل في تطور الظروف والأحوال، مستعينين بالحكمة والتدبير، مشيرين بما يرونه عن طريق تصويت تحترم الأقلية فيه رأي الأكثرية، مثلما ينبغي للأكثرية أن تصغي إلى الأقلية وتدرس وجهة نظرها باهتمام". لهذا، فإن الملك يؤكد أنه لمناقشة الشأن العام لا بد من مستوى معين من "التربية السياسية"، معتبرا ذلك قناعة "لا غنى عنها لممارسة الحياة النيابية".

والملاحظ بالمغرب هو أن المسالة التمثيلية طرحت من أعلى سلطة في البلاد، ولم تكن نابعة من القواعد الشعبية. لقد طرحت القضية من طرف المؤسسة الملكية لمأسستها ودسترتها ودمقرطتها، ولم تنبع كنتيجة حتمية لوعي طبقي وكرصيد نضالي، حيث يقول الملك: "منذ زمن بعيد عزمنا على تزويد البلاد بنظام ديمقراطي سليم في نطاق ملكية دستورية، تلبية لرغبتنا التي ظلت منذ تقلدنا أمر هذه الأمة محط اهتمامنا"..

لذا، نسجل مع الحسن الثاني أن "البرلمانيين" لن يكونوا خصوما للملك، كما أم الملك ليس خصما لهم؛ "ذلك لأن هذا... لم يأت نتيجة لمطالب وفتن وإنما جاء نتيجة لفكرة أخذت سبيلها ونمت يوما بعد يوم في نفس الشعب والملك...".

وعليه، يتساءل الملك قائلا: "لماذا يراد حتما وجود النواب من جهة والملك من جهة أخرى؟"، مجيبا بأن "أعضاء البرلمان لن يكونوا خصوما للملك وأن الملك لن يكون خصما لهم".

تصريحات الحسن الثاني كانت على إثر التجربة البرلمانية الأولى والتي عرفت صراعا قويا بين الفرق البرلمانية، وبالخصوص بين الأحزاب المعارضة والأحزاب المساندة لنظام الحسن الثاني بلغت ذروتها في الدورة الثانية لمجلس النواب التي دشنها صاحب الجلالة يوم 12 ماي والتي ابتدأت أعمالها يوم 18 منه والتي عرفت جدالا عنيفا حول المسطرة. ولم يلبث أن اتخذ هذا الجدال صبغة نزاع واصطدام بين مجلس النواب والحكومة، تمثل في انسحاب أعضاء كتلتي حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية من المجلس حينما أبى السيد أحمد أبا حنيني الوزير الأول إلا أن يلقي بيانه الحكومي أمام المجلس يوم الخميس 21 ماي. وبانسحاب الكتلتين، لم يستمع إلى الوزير الأول سوى حوالي خمسين عضوا من جملة أعضاء المجلس البالغ عددهم 144"..

وعلى إثر ذلك، سيتدخل الحسن الثاني لإيجاد مخرج لهذه الأزمة ووضع اليد على مكامن العطب، معتبرا أنه إذا كان العالم الذي نعيش فيه "تتقاذفه التيارات وتتصارع فيه المذاهب ولا تزال بعض أجزائه تبحث عن نفسها" فقد تمكن المغرب من "أن يحدد لنفسه مذهبا وعقيدة... فنظامنا الدستوري القائم على مبدأ الحرية والديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان ولا يزال في نظرنا أصلح نظام"..

والملك هنا يعتبر إشكالية التوجه السياسي والاقتصادي المغربي محسومة من ذي قبل والمعارضة التي لا تزال تبحث عن ذاتها ما عليها إلا ضرورة احترام قواعد اللعبة البرلمانية المتمثلة بعض قواعدها في إيجاد الحلول لا التشهير فقط بالحكومة، والمساهمة في الإنجازات لا رفع المطالب التعجيزية، قائلا إن "دوركم لا ينحصر في الإعراب عن الرغبات والتقدم بالمطالب، إن دوركم الأساسي هو العمل الدائب لمساعدة السلطة التنفيذية بما تقدمونه من مقترحات القوانين، كما لا يقتصر دوركم على التشهير... بل إن عملكم يصبح أكبر موضوعية وإيجابية إذا أضفتم إلى إثارة المشاكل المساهمة في إعداد حلولها، وإذا وضعتم مطالبكم في حدود الإمكانيات الضرورية لتنفيذها... تلكم الخطوط العريضة لتعاون مثمر، والشروط الموضوعية لقيام حوار بناء، وبذلك فقط نحفظ برلماننا الفتي من الانزلاق نحو عيوب الديمقراطية التي تعتمد الديماغوجية والمغالاة... إن نصحا معتدلا وكلمة موزونة ليفعلان في النفس ما لا يفعله قول متطرف أو كلمة نابية... وإن الديمقراطي الحق ليوفر ظروف التسابق... في البناء والتقويم، وإن دستورنا لهو أصلح إطار لذلك التعاون وهذا التنافس".

وعليه، يعتبر الملك ممثلي المعارضة البرلمانية "ديمقراطيين بلا ديمقراطية"؛ لأن من قبل الدخول إلى اللعبة البرلمانية يكون ضمنيا قد قبل القواعد الدستورية التي تحكمها، ولكن كيف كان رد "المعارضة" على توجهات الحسن الثاني وتصوره للعمل البرلماني؟

لقد كانت "أحداث الدار البيضاء" المندلعة سنة 1965 ردا قويا على التصور الملكي للتوجهات السياسية والاقتصادية، التي رسمها الملك للحكومة والبرلمان وللتصور الذي وضعه للمعارضة.

وعلى إثر هذا الحدث، سيتوجه الحسن الثاني إلى "المعارضة" بالانتقادات اللاذعة قائلا: "... كفاكم من إلقاء الخطب الفارغة، كفاكم من أن تقولوا لنا المسائل التي لا تتقون بها ولا تؤمنون بها... بل الجل منكم ليست له نظرة حقيقية عن الكلام الذي يتشدق به... ضيعتم أوقاتكم في سفاسف الأمور..."، وبالنتيجة يعتبر الحسن الثاني أن "الحصيلة التشريعية كانت جد هزيلة، منبها الشعب إلى أن هؤلاء ضيعوا "الأمانة" الملقاة على كاهلهم قائلا: "أيها الشعب، منذ وصولهم إلى البرلمان تعطلت مصلحة التشريع، وكذلك المطبعة الرسمية، والجريدة الرسمية، لم تصدر فيها إلا ثلاثة قوانين، ونحن الآن في السنة الثانية، فمن المسؤول عن هذا؟ هل واضع الدستور؟ أم الموافق عليه؟".

مجيبا بأن المسؤولية يتحملها البرلمان "المطبق للدستور والبرلمانيون الذين في نظر الملك انحرفوا عن الهدف الأصلي لهم وتاهوا في المناقشات البيزنطية مختفين وراء الحصانة البرلمانية ولاهتين وراء الراتب، حيث يقول لهم الحسن الثاني "إنكم متشبثون بالحصانة فقط، ومتشبثون بما تتقاضونه كل شهر من الدولة"..

ولهذه الأسباب، تكون لدى الملك تصور سلبي عن التجربة البرلمانية الأولى، حيث يقول: "وهكذا، وجدنا أنفسنا أمام... برلمان يسير في الطريق السلبي..."؛ ولكن هل سيقف الحسن الثاني موقف المتفرج على الصراع داخل المؤسسة البرلمانية بين المعارضة والحكومة أم سيتخذ قرارا ما؟

الحقيقة أن الحسن الثاني اتخذ قرار حاسم بإعلان حالة الاستثناء والتي سيترتب عليها "أوتوماتيكيا" حل البرلمان حسب الفصل 35 من دستور 1962 وقبل أن يقدم الملك على هذه الخطوة سيبررها، بكون البرلمان قد خرج عن الهدف المسطر له دستوريا، "وقد كنا ننتظر من وراء الإطار الدستوري الذي أقمناه أن يكون كفيلا بالمؤازرة المطلوبة والمساعدة المنشودة؛ بيد أن إحداث هذا الإطار لم يفض ببعض مؤسساته إلى النتيجة المتوخاة، فاضطررنا إلى تطبيق حكم من أحكام الدستور لإعلان حالة الاستثناء واستئناف مزاولة أمور الدولة بنفسنا... لنرد الأمور إلى نصابها والمياه إلى مجاريها"..

وبإعلان الملك لحالة الاستثناء وحل البرلمان سنة 1965، بدت الملكية المغربية في عيون الباحثين الغربيين "ملكية مطلقة"؛ حيث تساءل البعض على كون شكل الملكية التي يتخذها الحسن الثاني لا يتلاءم مع هذا القرن ومع هذا العالم الذي نعيش فيه؛ لكن الحسن الثاني سيجيب بأن الملكية لا تتناقض مع الديمقراطية بالرغم من حل المؤسسة البرلمانية؛ ذلك "أن المجالس الإقليمية وغرف الصناعة التقليدية والغرف التجارية والفلاحية قائمة، ولكنني لا أستطيع أن أسمح لمهرج بأن يستمر في سن القوانين"..

وعليه، فالبرلمان في تصور الملك خلال التجربة البرلمانية الأولى خرج عن دور المشرع إلى دور المهرج، ولا يمكن للملك أن يسمح بهذه "الكوميديا السوداء" أن تستمر؛ فأسدل عليها ستار حالة الاستثناء؛ فالمسرحية فاشلة، ولا يمكن لها أن تنحدر إلى مستوى أقل وأدنى من الفشل.

وسوف لن يعود البرلمان إلى الاشتغال إلا سنة 1970 حيث ثم رفع الستار عن حالة الاستثناء. وهكذا، التئم البرلمان في دورته الأولى التي افتتحها الملك بخطاب حث فيه النواب على مزاولة "الأمانة العامة" الملقاة على عاتقهم، بتناسي التجربة الأولى وبالترفع عن سفاسف الأمور وبالتسامح؛ ذلك أن البرلمان يقول الملك، يتيح الفرصة للتعرف على الحاجيات من خلال التدخل والمناقشات؛ فهو مدرسة الشعب الديمقراطية والتعايش السياسي القائم على الإقناع والحجة لا الإرهاب والتهريج.

ولكن التجربة البرلمانية الثانية في ظل دستور 1970 سجلت أول سابقة في تاريخ المغرب النيابي، بانسحاب المعارضة الاتحادية من البرلمان؛ على إثر نتائج الاستفتاء الدستوري؛ الذي اعتبرت فيه المعارضة دستور 1970 دسترة للحكم المطلق؛ ولكن الملك سيتدخل لحل هذه المعضلة التي طرحتها المعارضة الاتحادية عليه؛ معتبرا أن السكوت عن هذه القضية يفتح الباب للفوضى ويترك "للمغاربة أن يختاروا من القانون ما يعجبهم ويرفضوا منه ما لا يوافقهم وهذا شيء خطير... إنه يفتح باب الفتنة... الدستور ينص على أن نتائج الاستفتاء تلزم الجميع".

وإذا كانت المعارضة الاتحادية قد وضعت بانسحابها الملك في موقف حرج، إذ نصوص الدستور لا تسمح له بمنع حزب ما من الانسحاب من البرلمان؛ فكيف أوجد الملك الحل لهذه المعضلة؟ بل إن الملك نفسه يتساءل:"ماذا يترتب عن موقف كمثل هذا الموقف؟".

يجيب الملك بالإحالة إلى "إمارة المؤمنين"؛ وهو الطرح الذي دافع عنه د. محمد معتصم في "التطور التقليداني للقانون الدستوري المغربي" وانعكاساته؛ حيث اعتبر الملك انسحاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من البرلمان "استهتار واستخفاف، ومن واجبنا... أن نرجع الأمور إلى نصابها، وأن نفكر في كيفية الزجر، لأننا لم نضع قانونا حينما وضعنا الدستور إيمانا منا أننا لن نجد أمامنا أناس مستخفين ضالين ومضلين، ولو كنا نعلم هذا لوضعنا نصوصا زجرية، ولكن إذا كان الملك الدستوري لا يمكنه أن ينظر في الأمر، فأمير المؤمنين ينظر في ذلك... لأن هؤلاء خرجوا عن جماعة المسلمين..."

فهل كانت هذه بداية – النهاية ومؤشر القطيعة بين "النظام" والمعارضة البرلمانية الاتحادية؟

بالفعل، كان انسحاب الاتحاد الاشتراكي.ق. ش. مؤشرا على تباعد الرؤى بين منظور الحسن الثاني للبرلمان، ورؤية الاتحاد كحزب معارض.

وبعد هذا الانسحاب، بدت المعارضة بالبرلمان ضعيفة إن لم نقل منعدمة، على الرغم من وجود السيد علي يعتة عن حزب التقدم والاشتراكية والسيد محمد بنسعيد آيت إيدر عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وبدا البرلمان في موقف الخصم والحكم. ومن هذا المنطلق، اعتبر الحسن الثاني أنه "لا يعقل أن يكون هذا البرلمان خصما وحكما؛ فكل برلمان لا يمكن أن يقوم بدوره الواجب واللازم به إلا إذا كانت هناك طائفة تقول وطائفة تنتقد"..

وعليه، سيسعى الملك إلى خلق "معارضته" الخاصة عبر الفريق البرلماني للتجمع الوطني للأحرار. وكانوالملك يبحث في تصوره للبرلمان عن برلمان يجسد مطامح الأمة، معتبرا إياه "مرآة الأمة ومرآة الأمة يجب أن تكون دائما طاهرة نقية غير ملطخة؛ فعليكم حضرات السادة أن تعلموا أنكم لا تمثلون الشعب والأمة في رغباتها ومتطلبتاها فحسب بل عليكم أن تمثلوا الأمة في استمراريتها للحفاظ على عبقريتها وشخصيتها في وقت كثر فيه –مع الأسف- المسخ وتفرقت الطرق وأظلمت السبل واحتار الناس..."

وعليه، فالحسن الثاني يؤكد هنا أن خصوصية البرلمان المغربي يجب أن تتناغم مع خصوصية الدستور المغربي؛ لأن الذين قالوا "لا" للدستور أرادوا أن ينسفوا قواعده ويعطلوه انطلاقا من البرلمان، والحسن الثاني وعيا منه بهذا التكتيك سيعتبر هؤلاء الذين قالوا "بأن القانون هو أسمى تعبير عن السيادة لا يعنيهم" أمر خطير "فإذا كان القانون لا يعنيهم فلماذا سيحميهم، فمن تجاهل القانون تجاهله كله" معتبرا هؤلاء كالذين قال فيه الله تعالى: " يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض... فإذا نحن اخترنا الدستور فعلينا أن نحترمه".؛ ولكن هل هذا الخطاب "السلبي" للملك عن المؤسسة البرلمانية ودورها سيبقى ثابتا؟

الحقيقة أن هذا الموقف ليس غريبا أن يصدر عن الحسن الثاني؛ لأنه أولا ناتج عن كون الملك عايش وهو وليا للعهد الصراعات السياسية في المجلس الاستشاري وتلك الطريقة التي كانت تدار بها النقاشات حول السياسات العامة للبلاد بين تيارات إيديولوجية متضاربة. كما أن طبيعة النظام الذي شرع له الحسن الثاني لا يمكنه أن يسمح بعمل برلماني غير مراقب من قبل الملك وفق القواعد الدستورية التي وضعها هو نفسه، وإلا يكون الملك متناقضا مع توجهه.

ولما لاحت للحسن الثاني بوادر التغيير تهب على المغرب في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات كان عليه أن يستبق الأحداث، ويدخل إصلاحات دستورية جديدة على دستور 1972. لهذا، كان دستور 1992 مفتاح المغرب الجديد، حسب المفهوم الملكي؛ وعليه، كانت دعوة الحسن لضرورة "تشبيب البرلمان" دعوة إلى نظرة جديدة لهذه المؤسسة، حيث أهاب الملك "بالأطر الشابة التي تشغل مناصب مهمة... أن يأتوا كذلك لهذا البرلمان... بأفكار من صميم الواقع... لأن العتبة تاريخية..."، وينبغي اقتحام القرن الحادي والعشرين بأشخاص جدد لم يتأثروا بالتحول الإيديولوجي والمنهجي... يجب إتاحة الفرصة للشباب الصاعد وإناطة المسؤولية بهم.

والحسن الثاني في دعوته إلى تشبيب البرلمان كان يعتزم تدشين مشروع سياسي جديد بأشخاص جدد، معتبرا البرلمان مستنبتا للنخبة السياسية، حيث سيعلن عن التناوب التوافقي.

وانطلاقا من التصور الملكي للبرلمان، نسجل أنه بالمغرب لا يرقى إلى مستوى "المؤسسة" التي من خصائصها المشروعية والاستمرارية والتوقعية والاستقلالية؛ فمشروعيته مرتبطة بالملك واستمراريته رهينة بقراراته. أما توقعيته فليست واضحة. أما تبعيته للمؤسسة الملكية فمحكومة بقواعد الدستور.

وعليه يعلق جون واتر بوري على التجربة البرلمانية الأولى قائلا: "كانت علامات الفشل بادية على البرلمان حتى قبل أن يجتمع. لقد ظهر، منذ البداية، أن الملك كان يريد أن يسخر من التجربة؛ لكن من الإنصاف أن نسجل أن المشاركين فيها سهلوا له مأموريته، اتخذت أحزاب المعارضة مواقف صلبة وسليمة لمضايقة الحكومة، وكان الحكم يواجه المعارضين بالعداء المنهجي...".

إن الملاحظة التي أبداها واتر بوري عن موقف الملك من التجربة البرلمانية الأولى عبر عنها الحسن الثاني في "التحدي" قائلا: "ما لبث البرلمان أن تحول إلى ساحة قتال فردي، حيث زعمت الأحزاب أنها تعمد إلى تصفية حساباتها الخاصة، وفي مناسبات عديدة لاحظت عليهم أنهم يسلكون طريقا خاطئة. لقد كان على نوابنا أن يعطوا بدل أن يثرثروا، وأن يبنوا بدل أن يخربوا، وكان التباهي بالانتماء إلى اليسار أو الوسط أو اليمين، أو العمل باسم فئة بدل التفكير في مصالح الجماعة بمثابة الترف لا نستطيع أن نسمح بدوامه مدة طويلة... وبعد استعمال ما يسميه كلود برنار Claude Bernard "الطريقة التجريبية" أصبح من واجبنا إنقاذ حق الأمة في البقاء بوضع حد لحقبة اللامسؤولية، وهكذا أعلنت حالة الاستثناء"؛ ولكن بإعلان الملك الحسن الثاني لحالة الاستثناء سنة 1965 يكون قد وضع شعار" "الملكية البرلمانية" محل تساؤل، وذلك ما توصل إليه بول شامبيرجاPaul chambergeat الذي اعتبر عدم فعالية تأثير البرلمان لا تتيح إقامة نظام برلماني، ذلك أن أهم سلطة تبقى مجسدة في الملك" الذي يبدو أنه مطمئن لولادة برلمان معقلن ومستقل؛ لكن الطاهر البحبوحي اعتبر ذلك من تحصيل الحاصل، لأن دور البرلمان هو محدد مسبقا من لدن "الملك" الذي يتلو عليه ما يجب أن يفعل.


عبد الرحمان شحشي