لا أريد أن تمر مناسبة رؤيتنا للرئيس المحترم عبد العزيز بوتفليقة وهو مريض بنوع من الشلل الخطير بدون تفكير في المعنى السياسي لهذا الترشيح، وما هي القواعد السياسية التي يمكن أن يتعلمها شباب شمال إفريقيا من الحالة الصحية والسياسية لهذا الرئيس المحترم؟.. ونشير في البداية إلى ضرورة مقارنة أحواله مع الجيران في شمال إفريقيا ومصر.

وأبدأ بقاعدة أولى وهي: إن الشعب المريض سياسيا لا يصلح له إلا رئيس مريض، ولحزب جبهة التحرير الوطني الجزائريFLN فضل كبير على اكتشافنا لهذه القاعدة، ونشكرها لأنها ساعدت على ظهور هذه القاعدة التي طبقتها بكل مسؤولية، ووضوح، وشفافية، وعلى شباب البلاد أن يفهمها...

والقاعدة الثانية هي أن "ترشيح رئيس يعلن مرضه بشفافية وشجاعة خير من رئيس مريض يحكم ويخفي مرضه". وللأحزاب والأتباع الذين يخفون مرض الرؤساء والملوك لعنة النفاق وعدم الشفافية.

وإخفاء مرض الملوك والرؤساء على الشعب أقبح من فضيلة مصارحته به. وبوتفليقة رئيس لم يتزوج، ولم يخف يوما من الأيام عزوبته، وكان بإمكانه أن يتزوج ويكلف من يتولى شؤون زوجته، وينجبً معها أبناء يرثون ثروته، ويكونون من ولاية حكمه بعد وفاته؛ ولكنه مشكور على عزوبته بالمقارنة مع جيرانه في بلدان شمال إفريقيا ومصر...

ولقد بلغ بوتفليقة من عمره 81 سنة، ولم يخف على الشعب شيخوخته، وكرس قاعدة سياسية، وهي أن "الشعب العجوز لا يصلح له إلا رئيس حزب ورئيس جمهورية أو ملكً عجوز"، ولم ينافق ولم يكذب على بلاده في العجز والمرض.

وكما أشرنا في البداية إلى المقارنة مع شمال إفريقيا ومصر، يمكن توقع مصير الحكم في الجزائر خلال الشهور المقبلة من سنة 2019، وهو مصير محدد كما يلي:

إن مقياس المعرفة السياسية بهذا المصير يتطلب الرجوع تاريخيا إلى سنة 2011 وما وقع فيها من تغييرات في تونس والمغرب ومصر وليبيا، ليتضح أن الجزائر تأخرت عنها التغييرات من 2011 إلى 2019. وبعد استعمال هذا المقياس يكون واضحا أن مصير بوتفليقة ونظامه السياسي سيكون مستقبلا على أربعة نماذج:

1- مصير تونس سنة 2011، وهو معروف بتدخل الجيش في عملية تهريب الرئيس بنعلي وعائلته إلى السعودية، وتطبيق مسلسل من تجربة نظام حكم جديد، جوهره المرور من تجربة سياسية سلمية نحو حكم تسيره أغلبية من التنظيمات الإسلاموية مع ائتلاف من فلول حكم بورقيبة وبنعلي وترقيع من اليساريين..

2- مصير ليبيا إذا لم ينسحب بوتفليقة من الحكم، وهو معروف، بقتل الكذافي، وتطور الأوضاع إلى الحالة التي عليها منذ سنة 2011، وسبق لي أن نشرت عنها بعض المقالات.

3- مصير المغرب، حيث وجه الملك خطابا، وعين لجنة وضع مشروع دستور 2011، وأقال الوزير الأول عباس الفاسي، وحل البرلمان؛ وهو ما مكن الإسلامويين من أغلبية انتخابية، وائتلاف حكومي من فلول ما قبل سنة 2011، مرقع ببعض اليساريين.

ويبدو أن جزائر بوتفليقة بدأت تنسخ حرفيا جزءا من تجربة المغرب سنة 2011 بتوجيه رسالة بوتفليقة إلى الشعب لأنه لا يستطيع صحيا إلقاء خطاب، وإقالة الوزير الأول احمد أويحي، والوعد بتعيين لجنة محايدة، وهي تجربة لا تبعد عن تخطيط فرنسا....

4- مصير مصر سنة 2011 بعزل رئيس عجوز ومريض هو حسني مبارك، وإجراء مسلسل من التعديلات السياسية والقانونية، انتهت بنتيجتين؛ الأولى تأسيس حكومة أغلبية تحت رئاسة الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي، والثانية انقلاب عسكري بقيادة الجنرال السيسي وما تبع ذلك...

قد تتشكل تجربة مصير الجزائر سنة 2019 من مزيج سياسي يستفيد من مصير التجارب الأربع التي ذكرناها أعلاه، ولكن المستقبل يحتمل أن يهدم هذا المصير تجربة تونس والمغرب وليبيا، وتتحول منطقة شمال إفريقيا كلها إلى مصير جديد تسقط فيه كل الحدود بين الدول، وتهدم سياسة الاستقلال عن فرنسا، وأحزاب الحركات الوطنية، وتبنى قواعد سياسية من طرف الأجيال الجديدة.

 

احمد الدغرني