أثارت العهدة الخامسة في الجزائر مسألة السلطة ببلد المليون شهيد، الذي افتدى الوطن من براثين الاستعمار الفرنسي بدمائه الطاهرة في ستينيات القرن الماضي، من أجل جزائر حرة ومستقلة ومتقدمة في سلم الرقي الاقتصادي والاجتماعي. غير أن رياح التاريخ لم تجر بما اشتهت أشرعة الشعب الجزائري، فبعيد الانقلاب على الرئيس بن بلة وتسلم سدة الحكم من غريمه الهواري بومديان، اتخذ النظام السياسي منحى واضحا على مستوى الهوية الدولتية للجزائر، إذ لن يختلف اثنان على أن طبيعة النظام السياسي بالجزائر بات أوليغارشيا عسكرياتية.

ورغم الشعارات التي تلون بها النظام السياسي في الجزائر أثناء الحرب الباردة وبعدها من جمهورية اشتراكية ديمقراطية شعبية، إلا أن الواقع كان يترجم انفراز طبقة من المحظوظين مقربة من المؤسسة العسكرية، ماسكة بثروات البلاد، تدور في فلك هذه الأخيرة.

ورغم ذلك كانت هناك بعض محطات الاحتقان يلتقط فيها النظام الجزائري أنفاسه ليبدو منفتحا وشبه مدني كما حصل مع تولي المرحوم الشاذلي بن جديد أو الراحل المغتال بوضياف، بيد أن هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن المؤسسة العسكرية مصنع لفبركة الرؤساء على المقاس، حسب الظروف والملابسات.

ولما تولى الدبلوماسي المحنك وزير الخارجية الأسبق السيد عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجمهورية، رأينا كيف استقدم من طرف الجيش بعد العشرية الدموية لصعود الإسلاميين، والانقلاب عليهم، ما كلف الشعب الجزائري أبهظ الخسائر والجروح إبان حرب أهلية ضروس.

كان للرئيس بوتفليقة أكبر دور في عقد مصالحة وطنية أمدت عمر حكمه إلى الترشح للعهدة الخامسة، رغم الحالة الصحية الحرجة التي بانت عليه منذ العهدة الرابعة، فمن كان يحكم الجزائر؟ أو ليس العسكر مهما تلونت السيناريوهات؟.

إن مقدرات الجزائر من الغاز والبترول هائلة. ولقد تم تصنيف البلد سنة 2008 في المرتبة التاسعة في منظمة أوبك، إذ خلصت تقارير تصنيف إدارة الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية إلى أن ريع البترول الجزائري بلغ أربعة ملايير دولار.

وحسب تصريح لوزير الطاقة الجزائري، شكيب خليل، خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2008، بلغت قيمة العائدات مليارين و27 مليون دولار أمريكي.

لقد تم التداول في الأوساط الجزائرية أن كمية استخراج النفط بلغت شأوا يهدد 50 في المائة من الاحتياطي الجزائري، ما جعل التخوف على مستقبل الجزائر من أن تتحول من بلد مصدر إلى بلد مستورد، ما دفع بوتفليقة إلى الاستثمار في تجديد الاحتياطي إلى حدود 2019 بما يناهز 61 مليار دولار في إطار الصناعة النفطية.

نسوق هذه الأرقام المهولة، والتي تشير إلى أن الجزائر تصدر 135 مليون طن سنويا، فيما الطاقة الإنتاجية وصلت إلى حدود مليون و45 برميلا يوميا، مع اكتشاف أحواض نفطية أخرى في شمال البلاد، لنقول لماذا لم تنعكس هذه الأرقام على مستوى التنمية البشرية والاقتصادية على الشعب الجزائري الذي ترك للهجرة السرية والاتجار بالتهريب وكل أسباب التخلف و"الحكرة"؟.

إن الطغمة الحاكمة في الجزائر استبدت إلى درجة قمع كل مشروع معارضة بديل عما هو مستهلك في سوق الأحزاب السياسية التي توارت عن الأنظار في هذا الحراك الشعبي الجماهيري السلمي، الذي أعطى ويعطي درسا في أخلاقية النضال من أجل الحق في الكرامة ورفع "الحكرة" والمساهمة الحقيقية في بناء جزائر الغد، ديمقراطية وحداثية تلبي حلم شبابها المتيقظ وتحترم مقام شهدائها المليوني.

ربيع الجزائر مفتوح على كل التوقعات، منها سيناريو مصر مرسي، أو سيناريو السيسي، وكلا التوقعين لن يشكلا أفق الجزائريين، ما لم يتغير وجه النظام السياسي في الجزائر إلى دولة مدنية يحكمها الأكفاء والخلص من الوطنيين، بعيدا عن التبعية التقليدية لفرنسا أو لغيرها.

 

محمد العربي هروشي