جمع المنشط الإعلامي محمد بورويص في برنامج "مثير للجدل" على قناة medi1 tv يوم الخميس 7 مارس 2019، بين الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ك.د.ش) السيد عبد الغني الراقي والسيد مصطفى السليفاني مديرية أكاديمية جهة بني ملال- خنيفرة ممثلا لوزارة التربية والتكوين، لمناقشة ملف "الأساتذة المتعاقدين".

1 - قبل البدء: تعدد التسمية

يلاحظ متتبع الحلقة تداول ثلاث تسميات فيما يخص هذه الفئة من الأساتذة، وكل تسمية ترتبط بموقف محدد سلفا ويشي برؤية تجاه هذه الفئة، وقد تنوعت التسمية بين:

أ- الأساتذة المتعاقدون: جاءت على لسان منشط البرنامج، كما وردت في الإعلان الإعلامي للقناة لهذه الحلقة، للدلالة على موقف الحياد، فمنشط البرنامج يعمد إلى هذه التسمية لينأى بنفسه عن استخدام التسميتين الأخريين.

ب- الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد: وردت على لسان الكاتب العام ل(ك.د.ش) لتوضيح وضع الهشاشة الذي يعيشه هؤلاء الأساتذة، والإشارة إلى الظروف التي صاحبت توقيع العقود. ولشرعنة الرفض في مقابل الفرض.

ج- أطر الأكاديميات: تبنى مدير الأكاديمية هذه التسمية للدلالة على التشبت بموقف الوزارة في ترسيخ النظام الأساسي لأطر موظفي الأكاديميات موضع النقاش والخلاف، كما أبدى رفضه لكلمة (فرض) بدعوى أن هؤلاء الأساتذة وقعوا اختيارا على العقود، ولن نناقش هنا قضية التوقيع بين الاختيار والاضطرار، لأننا تناولنا ذلك في مناسبة سابقة، كما أن طرفي الحوار فصَّلا في ذلك، كل من موقعه. غير أننا نشير إلى ما صاحب لحظة التوقيع داخل بناية الأكاديمية، من موقع الشهادة والحضور الفعلي، فموظفو الأكاديمية حينها، كانوا حريصين بشكل مقلق على ألا يضطلع أي "متعاقد" على بنود العقد، فكانوا يرصون صفوف الأساتذة رصا، ثم يتابعونهم بالتعجيل في توقيع العقد، دون تمكينهم من الاضطلاع عليه، وبأمر منهم ملئت خانات وتُركت أخرى فارغة، كما أن التصديق كان في عين المكان، في جو لن يدرك إرهابه إلا من عاش تلك اللحظة. وعموما فالتسمية مثل "التطرية Maquillage" لا يمكنها تجميل الوجه المشوه حقيقة، بل قد تصبح استهزاء.

2 - مغالطات أثناء الحوار:

أ - تجهيل الآخر: جاء على لسان مدير الأكاديمية أن "المشكل في الجوهر ذو عمق تواصلي" وأن هذه الفئة لم تفهم مضمون النظام الأساسي، وهذا إشكال آخر يزيد الأمور تعقيدا، لأنه اعتراف ضمني على أن الأكاديميات عاجزة، إذ لم تستطع التواصل مع هذه الفئة، وهو واقع مرتبط بالتعالي الأكاديمي على هذه الفئة منذ البداية واللجوء إلى الهراوات في هذه اللحظات، فعن أي تواصل سنتحدث بين طرفين أحدهما يعمد إلى الكلام وآخر يشهر العصي والهراوات !

إن جوهر العجز عن التواصل، يرتبط بتغييب صوت هذه الفئة والاكتفاء بإسقاط الأوامر عليها. ونكتفي في هذا الصدد باقتباس عبارة وردت في المادتين 22 و25 من النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية، وهي «فإنه يتم فصله بدون أي إشعار أو تعويض»، وقد جاءت في سياق من عجز عن استئناف عمله بسبب المرض، (كما وردت العبارة نفسها في المادة 8 في سياق آخر)، ويكفي أن نـتأمل عبارة "بدون أي إشعار"، التي لا ترتبط بالجانب المادي (تعويض)، ولكنها ترتبط بالاعتراف بالطرف الذي تزعم الأكاديميات أنها تسعى للتواصل معه، فكيف تتواصل مع من نفت إنسانيته؟

ب - ليس هو: "يعتبر بمثابة ترسيم"، هذه العبارة التي وردت على لسان مدير الأكاديمية، كما وردت سابقا في خطابات الأكاديمية، في سياق طمأنة هذه الفئة على مستقبلها الوظيفي، ولكن لنتوقف قليلا، لماذا بمثابة ترسيم، أليس الأولى أن يقال:"يعد ترسيما؟" فإن تعذر ذلك فلنبحث له عن تسمية أخرى. إن مثل هذه العبارات لا تزيد إلا توترا نفسيا لدى هذه الفئة من الأساتذة.

ج - المنّ والإحسان: بمناورة خطابية تهرب مدير الأكاديمية من الإجابة عن السؤال المتعلق بتوقيف أجرة أساتذة فوج (2016)، وهي أجرة شهر فبراير، أي قبل التوصل بملحق العقد، فإذا رهنوا صرف الأجرة بتوقيع العقد، فهذا يمكن الحديث عنه فيما يخص شهر مارس وليس شهر فبراير، وبعد تهربه من السؤال، بدأ في سرد أن التوظيف الجهوي أسهم في توظيف مجموعة من العاطلين، بالإضافة إلى مجهودات الأكاديمية في تدبير إجراءات الامتحانات، وهي رغبة في تصوير الأساتذة قبل التوظيف بأنهم دون فائدة ترجى منهم، وأن الأكاديمية بعطفها وإحسانها وظفتهم وانتشلتهم من الواقع المرير، وكل ذلك ما هو إلا سعي من التهرب في المساءلة عما آلت إليه الأوضاع. وفي إطار تضخيم مجهودات الأكاديمية، يحاول بناء صورة لها من خلال أن التوظيف بموجب عقود قلص اكتظاظ التلاميذ داخل الفصول، وتناسى أنه ذكر أن سبب الاكتظاظ نتج عن كثرة الأساتذة الذين أحيلوا على التقاعد دون تعويضهم بأساتذة آخرين، والمغيب هنا هو سوء التدبير والتسيير، فلمثل هذه الحالات جُعلت الوزارة؛ فالأولى ربط المسؤولية بالمحاسبة.

د – سفسطة الإحصاء: عادة ما يلجأ المحاور إلى تضخيم النسب المئوية لتبرير فعله وتعزيز موقفه، وهو ما لجأ إليه مدير الأكاديمية في قوله: «بعض الأكاديميات وصل توقيع العقود إلى 95 %»، فإذا كان الأمر كذلك فمن هؤلاء الذين يملأون الشوارع الآن؟ وما تجدر الإشارة إليه، أن هذه النسبة تتعلق بفوج واحد هو فوج 2016، ولكن الشارع يؤكد على حقيقة أخرى، هي تلاحم هذه الفئة بأفواجها الأربعة (2016-2017-2018-2019)، كما يؤكد الأساتذة على أنه فوج واحد يجمعهم هم واحد على الرغم من تعد السنوات؛ لأنهم يدركون أن مصيرهم واحد.

هـ - سرديات الأنا والآخر: قارن مدير الأكاديمية بين شخصه بعيدا عن إطار المؤسسة وأساتذة هذه الفئة، في حوار مع مسير البرنامج، ومما جاء به في معرض المقارنة بأنه متعاقد مع الأكاديمية بوصفها مؤسسة عمومية، وأنه بدأ في القطاع منذ ربع قرن بأجرة قدرها 2200 درهم، في حين أن هؤلاء الأساتذة يتقاضون أجرة قدرها 5500 درهم، مع حداثة تجربتهم في قطاع التربية والتكوين وبامتيازات أكثر. وهذه المقارنة التخييلية تنبع من فكر لا تاريخاني يطوي المسافات دون الاعتراف بها، هي آلية للهروب من الواقع وتصغير المشكل وإظهار الطرف الآخر في صورة الكمال من حيث التمتع بالحقوق.

و - ذم بما يشبه المدح: حاول مدير الأكاديمية الإشادة بكفاءة هذه الفئة، ولكنه انطبق عليه المثل المغربي (بغى يكحلها عماها)، ففي سياق الإطراء على هذه الفئة قال:«تميزهم بالوزرة البيضاء عن بعد»، تميزهم

ممن؟، هنا تبدأ التفرقة، وهنا المفارقة أراد مدح أساتذة هذه الفئة، فذم غيرهم، فعبارته تستدعي أن الأساتذة "الآخرين" لا يرتدون الوزرة، وهو التأويل الأقرب إلا أن يكونوا يرتدون وزرة بلون آخر ! واختياره اللباس لتأكيد الانتماء اختيار مجانب للصواب، بل ينم عن سطحية الأحكام.



عادل المجداوي