1 - تعيش المملكة العربية السعودية على وقع " تغيير " فجائي غير مألوف لم يسبق أن تم التمهيد له بمدخلات تقيه من " الزلل " ، و يتعلق هدا الزلزال " الإصلاحي " بما أضحى يصطلح عليه بفعاليات الترفيه ، و الواقع أن هذا الأخير مطلب من مطالب الحياة المدنية العصرية ، فمن حق المسؤولين السعوديين الجدد أن ينشؤوا هيئات عامة للرياضة و الترفيه الفني بشتى تمظهراته ، و من حقهم أيضا أن يستثمروا أموالهم في تدشين البنيات التحتية الملائمة لهذا الحدث المفصلي الذي " يتناغم " و رؤية 2030 ، " رِؤية الإصلاح و التغيير " ، من القاعات السينمائية و المسارح و دور الأوبيرا و صالات الرقص الشرقي و الغربي ، و إقامة سهرات و مهرجانات غنائية عربية و عالمية ، و تمكين المرأة و الشباب من مستلزمات الحياة العصرية دون قيود لم تعد تتماشى و " تطلعات " المواطن السعودي ، و أخيرا و ليس آخرا من حقهم أن يناهضوا الهيئات الدينية التقليدية التي ظلت سنين عددا " تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر " .. لكن هل يمكن أن يحدث إصلاح جاد في الحياة المجتمعية السعودية عبر الترفيه و الترفيه وحده ؟

2 - تطلعنا أدبيات الفكر السياسي العالمي أن أي تغيير فعال في مجتمع ما ، يستدعي حزمة من المحددات السياسية و الفلسفية و المجتمعية ذات الصلة بمأسسة الدول ، و عقلنة تمفصلاتها المتشابكة لعل أقلها مفهوم الدولة ذاته ، فالدولة في عرف الوعي الحداثي الراهن نظام سياسي مدني يستند إلى نسق من الآليات و الميكانيزمات الديمقراطية المخصوصة ، و ينتصر لفكر الأنوار ، و ينزع لتحيين المشترك البشري الداعم لقيم المواطنة و حقوق الإنسان ، فضلا عن بلورة هيئات أهلية و سياسية فاعلة من قبيل الجمعيات و المنظمات و النقابات و الأحزاب الوطنية المستقلة ، المتنافسة على السلطة في استحقاقات جماعية و برلمانية دورية ، تجري في مناخ من الحرية و الشفافية ، و الفصل بين السلطات و استقلال القضاء و الإعلام ، لنضمن للمواطن حقه في العيش الكريم و الازدهار المنشود و جني ثمار ( الترفيه و الديمقراطية ) .

3 - و اعتبارا للوضع الجيوستراتيجي للمملكة السعودية ، و انطلاقا من مكانتها الدينية و المالية ، يمكن أن تصبح دولة عربية إسلامية عظمى تنافس ( دون منازع ) الأقطاب الإقليمية المفصلية : إيران و تركيا و إسرائيل ، لكن منطق التاريخ يخبرنا أن النهضة التنموية الشاملة تستدعي سننا شبه رياضية ، و هي على كل حال غائبة كليا في بلاد الحرمين الشريفين ، لن يقوم أي إقلاع حضاري جدير بهذا التوصيف عبر الصفقات التجارية بين الأفراد و الأقطار شرقية كانت أو غربية ، لن تصبح السعودية عضوا في نادي الدول العزيزة إلا عبر قبول انتهاج مسلك الديمقراطية ، و العض بالنواجذ على قيم العدل و الحرية و العدالة و المساواة .. لا بل و ربط المسؤولية بالمحاسبة ، و القطع مع سياسية تبذير مال الشعب دون رقيب ، لن تقوى السعودية على مقارعة جيرانها العرب و " العجم " و هي تلاحق المدافعين عن حقوق الإنسان و تغتال الإعلاميين الأحرار ، و تملأ الزنازين بأصحاب الرأي الأخر .. و في غياب الديمقراطية المتعارف عليها كونيا سيظل الترفيه السعودي رقصا في السلاسل الذهبية !

 



الصادق بنعلال