انتقل النظام المصري و بخطوات فائقة السرعة إلى تنفيذ "حكم " الإعدام في حق مجموعة من المواطنين الرافضين للانقلاب على الشرعية الديمقراطية ، و المناوئين للمؤسسة العسكرية التي وضعت حدا للتجربة الديمقراطية الجنينية ، بعد أن أفضت إلى فوز بين لتيار الإسلام السياسي المعتدل ، و تنصيب محمد مرسي كأول زعيم مصري ، اختاره الشعب في انتخابات ديمقراطية مشهود لها دوليا بالنزاهة و الشفافية . و قد جاء هذا التعاطي الوحشي مع المخالفين في الرأي و المدافعين عن كرامة مصر و عزتها في سياق إقليمي و دولي ، ينحو نحو منع أي نزعة إلى الانتقال الىيمقراطي السلمي في البلدان العربية ، و يقف بقوة إلى جانب الاستبداد و الجبروت ..

ندرك أن هذه المغامرة غير محسوبة العواقب خطيئة كبرى في حق الشعب المصري الطامح للسلام و الاستقرار و التقدم ، و كنّا نمني النفس كمتتبعين و متعاطفين مع قضايا العرب ، أن تقدم الطبقة الحاكمة في أرض الكنانة على اجتراح حلول سياسية ثورية ، تدعو للمصالحة الشاملة و الحوار الوطني بمشاركة كل المكونات المجتمعية الفاعلة ، من قوميين و ليبراليين و اشتراكيين و علمانيين و إسلاميين .. للاتفاق على خارطة طريق تنقذ البلد من الضياع ، و الإفراج عن المعتقلين السياسيين بغض النظر عن مرجعياتهم الأيديولوجية ، و السماح بعودة المغتربين من رجال الفكر و السياسة للمساهمة في بناء مصر الغد ، بيد أن هذه الأمنية باءت بالفشل الذريع على وقع صوت مقصلة إعدام خيرة شباب البلد ، و يقيننا أن أعداء الأمة العربية يرقصون فرحا و يزهون مَرَحا بهذا الإنجاز الدموي الأليم .

ما من شك في أن تاريخ المصريين قديما و حديثا حافل بالإبداعات الحضارية و الإنتاجات العلمية و الفلسفية و الفنية ، كما أن مصر بفضل هذه المرجعية التاريخية المعطاء و موقعها الجيوستراتيجي بالغ الأهمية ، و سكانها المجبولون على الاجتهاد غير الحمود .. قادرة أن تعود من جديد لبناء أهرامات من نوع آخر ، أهرامات الازدهار التكنولوجي و التقدم العلمي الفسيح ، لمواجهة مشاريع إقليمية حضارية عملاقة ( إيران – تركيا – إسرائيل ) ، و يعتقد صاحب هذه السطور مثلما يعتقد عدد غير قليل من المثقفين العرب الذين يكنون كل معالم الود و المحبة لأهل مصر الأعزاء ، أن القرارات الاستراتيجية التي يمكن أن تصعد بهبة النيل نحو الأعالي هي القرارات الديمقراطية الداعية إلى المصالحة و التسامح و التكامل ، من أجل مصر العزة و الرقي و الحياة ، أما قرارات الموت الجماعي ستفضي لا قدر الله إلى الهاوية ( و ما أدراك ما هي ! ) .



 الصادق بنعلال