عندما يقول لك أحدهم، "أنت تتعامل بأنانية،" فلا يوجد أدنى شك بأنّك تلقّيت النقد للتوّ إنَّ الرسالة من هذا النقد واضحة: أنت تعير انتباهاً كبيرًا للأشياء التي تريدها، ولاحتياجاتك ومنفعتك، بينما يكون انتباهك غير كافٍ للآخرين. 

غالباً ما يتم وصف السلوك الأناني بالسلوك "اللا أخلاقي"، فالشخص الطيب هو من يفكر بالآخرين في المقام الأول،فمن المحبّذ أن تعطي أكثر مما تأخذ،لا تسأل عن الخدمات التي يمكن أن يقدمها لك بلدك، بل اسأل عمّ يمكنك أنت أن تقدمه لبلدك.

وفقاً لبعض الخبراء، فإن السلوك الأناني ليس غير أخلاقي فقط، بل إنه سيء أيضاً بالنسبة لراحتك النفسية. لقد كتب عالم النفس الإيجابي الشهير سونيا ليوبوميرسكي مقالاً يزعم فيه أنَّ البحث يدعم المثل الصيني القائل، "إن كنت تريد السعادة مدى الحياة، عليكَ بمساعدة الآخرين.

مع ذلك، إن كنتَ قد قرأت ما يكفي من مواد المساعدة الذاتية، فإنك لن تجد مفرّاً من ملاحظة وجهة نظرٍ مختلفةٍ فيما يخص التفكير بنفسك في المقام الأول وهذا سيبدو متناقضاً مع المفهوم السيئ عن الأنانية.

تشير علامة "رعاية الذات" إلى إعطاء الأولويّة للصحة البدنية وللراحة النفسية عن طريق إتباع عادات طعامٍ جيدة، ممارسة التمارين الرياضية، النوم، الاسترخاء، والقيام بأنشطة رياضية كل يوم.

يحب أنصار "رعاية الذات" الإشارة إلى فكرة أنه إذا لم نهتم بأنفسنا في المقام الأول، فلن نكون نحن أصلاً على ما يرام لنستطيع تقديم المساعدة للآخرين والاهتمام بهم. بدليل ما يقولُه مضيف الطيران للمسافرين، "إن كنتم مسافرين برفقة طفل أو أي شخص بحاجة للمساعدة، قوموا بتثبيت كماماتكم أولاً ثم قوموا بمساعدة الشخص الآخر.

لذلك، هل تعتبر الأنانية (أي التفكير بنفسك أولاً) أمراً جيد أم سيئاً؟ عندما أُسأَلُ أسئلةً من قبيلِ تلك الأسئلة، تكون إجابتي الأولى على هذه الأسئلة بسؤال آخر يقول: "حسناً؛ الأنانية بالنسبة لماذا (أو لمن)؟ لذا، فإن السؤال الأعمق، كما أراه، هو "من يستفيد من الأنانية؟" (ومِن هنا كان اسم هذه المدونة،تسوي بونو: لفائدة من؟)

الجواب البسيط (والخاطئ) على هذا السؤال هو أنني عندما أتصرّف بأنانيـة، فإنَّ ذلك سيكون أمرٌ جيدٌ دائماً بالنسبة لي وسيء بالنسبة للآخرين. هذا صحيح، حيث يوجد حالاتٌ عديدات يستفيد فيها الناس (على الأقل بشكل مؤقت) على حساب الآخرين. 

والأمثلة الأكثر وضوحاَ على ذلك هي التصرفات الإجرامية مثل الاعتداء والسرقة والتزوير. يشير هاري براون إلى استخدام التهديد بالعنف، بغاية الأخذ من الآخرين ما لا يرغبون بإعطائه طوعاً للغير، على أنّه صفقة تجارية من جانب واحد. 

بينما يسمّي ستيفن كوفي هذا الأمر بصفقة "رابح خاسر" لوجود شخص يحقق ربحاً وآخر يخسر. يوجد أيضاُ صفقات "رابح خاسر" ولكنها غير إجرامية، أبرزها ما يتعلق بالتلاعب العاطفي.

 فإن ضغطتُ عليك للقيام بعملٍ لا تريد القيام به، حيث أجعلك تشعر بالذنب إن لم تقم به، أو عن طريق الصراخ أو الخصام أو بأن أجعل نفسي أبدو غير سعيد بطريقةٍ ما، فأنا أكون قد حصلت على ما أريد ولكن على حسابك.

أما سبب أنَّ الصفقات التي تمَّت من قبل طرف واحد أو المسماة صفقات "رابح خاسر" ليست جيدة لي، فهو يكمن في وجود نتائج سلبية بالنسبة لي وهي تفوق المكاسب المؤقتة. من الواضح أنَّ نتائج الأعمال الإجرامية هي الغرامات أو السجن.

 مع ذلك فإن التلاعب بالعواطف له عواقب كارثية طويلة الأمد، إن قمت باستغلال الناس، فسيكون احتمال تعاونهم معك طوعاً أقل، بل ربما سيسعون للانتقام منك أو يطلبون من أقاربهم أو أصدقائهم الأقوياء الانتقام منك.

الأهم من ذلك، أنَّ الشخص الذي يتورط في التلاعب بالعواطف ليحصل على ما يريد، يكسب سمعةً سيئة كشخص لا يستحق التعامل معه، فيصبح شخصاً ينبغي تجنّبه والتهرب منه. 

السمعة ليست أمراً بسيطاً، لأنّ الشخص لا يستطيع تحقيق السعادة لوحده ومنعزلاً عن بقية أفراد المجتمع.

 لنكون سعداء، فنحن نحتاج شبكة من الناس في حياتنا، ممن يحبوننا ويحترموننا، لنبني مثل تلك الشبكة، علينا أن نتعامل بعدل مع بعضنا البعض. لذلك، فإنني أُسمّي الانخراط في صفقة من طرف واحد "بالأنانية السيئة" لأن هذا التصرف، في جوهره، سيءٌ بالنسبة لكلٍّ من الشخص الأناني والأشخاص اللذين قام باستغلالهم فوقعوا ضحيةً لأنانيته. ثم يأتي ما أسمّيه "بالأنانية المحايدة.

فالأنانية المحايدة تتضمن الاعتناء بمنفعتك الخاصة بحيث لا تؤذي الآخرين بشكل مباشر أو بطريقة ملحوظة. 

فإن أنا استغرقت خمس دقائق لأنظّف أسناني لأتجنب إصابتها بآثارٍ مرضيّةٍ أو بأمراض اللثة، فهذا شكلٌ من أشكال الأنانية المحايدة. بالاعتناء بنظافة أسناني، أنا لا أهمل الاهتمام بمنفعتي الخاصة ولا أبالغ بهذا الاهتمام. 

كذلك سأطلِقُ الحُكمَ نفسه في حال استغرقتُ كل يوم عشرة دقائق في التأمل،أعرف أن هنالك أشخاصٌ سيتساءلون هل يوجد فعلاً شيء اسمه تصرّف أناني محايد، سيقول البعض أنني ربما كنت أستغل دقائق تنظيف أسناني الخمسة، أو دقائق تأملي العشرة، في التفكير في مساعدة الآخرين في الحصول على مأوى للمشردين مثلاً. 

يوجد دائماً أشخاص يحتاجون المساعدة، لذلك إنّ أي سلوك أقوم به من أجل منفعتي الشخصية سيستغرق وقتاً أطول مما أستطيع فعله لفائدة الآخرين، ولكن، كما أشارت حركة الاهتمام بالنفس، ما هي مدى المساعدة التي يمكنني تقديمها للآخرين في حال لم أكن مهتماً بصحتي الجسدية والنفسية في المقام الأول؟ فالاهتمام بنفسي يضعني في موقعٍ أفضل للقيام بأعمالٍ تفيد الآخرين.

 ولذلك، سأستمرّ في الاعتقاد أنّ بعض السلوك الأناني هو تقريباً سلوكٌ محايد،فهو لا يساعد مباشرةً ولا يؤذي الآخرين،ربما هذا يتمثل في الوقت الذي استهلكته واستقطعته لنفسي بدلاُ من مساعدة الآخرين بشكل مباشر، لكن هذا السلوك أيضاُ يجعلني في حالةٍ جيدة لمساعدة الآخرين.

أولئك الذين يتلاعبون بنا من أجل القيام بأعمالهم القذرة يعطوننا خيارًا مزيفاً،فهم يجعلوننا نختار بين الأنانية السيئة (الكسب على حساب الآخرين) وبين التضحية الغيرية أو غير الأنانية (فعل الخير من أجل الآخرين بطريقة يترتب فيها تكلفةً عليك). 

عندما يتم إعطاؤك هذه الخيارات فقط، فلا عجب أن تُصَوِّتَ مشاعرُنا الأخلاقية لصالح الأخيرة. هناك نسخة مختلفةٌ قليلاً لهذا الخيار المزيف تظهر عندما يقول الناس أنّ العلاقات الجيدة تكون مبنية على التسويات، عندما نساهم أنا وشريكي في أخذ أدوارنا في التضحية لصالح بعضنا البعض، "سأوافق على الذهاب معك في جولة تسوق بائسة في حال وافقت على مشاهدة لعبة كرة القدم البائسة معي."

 


دغوغي عمر