طب الدجالين.. ورقية النصابين

انتشرت في المغرب العديد من "المعشبات" ومراكز "الطب النبوي" والحجامة والرقية غير الشرعية والتدليك "المبارك"، يُشرف على معظمها دجالون أميون.. راكموا كفاءات عالية في النصب والاحتيال.. سلاحهم الخطير هو الخطاب الديني مع بعض لوازم العمل من إطلاق لحي ولباس يوحي بالحشمة والوقار وغض البصر وموت البصيرة..

يمكن القول إن أساليب التطبيب الخاطئة والخطيرة التي تتغذى من الأساطير والخرافات وتنسب زورا وبهتانا للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، هذه الأساليب تعرف ازدهارا ورواجا كبيرا، وممتهنوها سدنة الشعوذة" يشتغلون في راحة وسكينة وطمأنينة، لأن صحة وحياة المواطن في هذا البلد الأمين، ليست بالمهمة.. ومن أكبر الأسباب التي تدفع الكثير من المرضى إلى الطب الشعبي هو فقدانهم الثقة في المؤسسات الطبية الرسمية جراء الأزمات والاختلالات والأعطاب الكثيرة التي تتخبط فيها، وهذا ليس موضوع المقال.

لكل مهنىة أخطاء تسمى بالأخطاء المهنية، وإذا كانت بعض الأخطاء الطبية يرتكبها أطباء تلقوا تكوينا طبيا نظريا وميدانيا في كلية الطب وتمرسوا في عملهم لسنوات، تفضي أحيانا إلى موت المريض أو إصابته بعجز كُلِّي أو نسبي، فكيف الحال بأشخاص كل ما يمتلكون مظهرا دينيا مزيفا، وتلاعبا بمصطلحاتٍ يجهلون معناها ومبناها، كالطب النبوي والحجامة، والكثير من الممارسات العلاجية التي تحتاج وتستوجب دراسة وتأهيلا علميا.

من بين المصطلحات الرائجة لدى الدجالين الأميين في مجال الطب الذي اقتحموه برعونة، مصطلح الطب النبوي والطب البديل والطب التقليدي والتداوي بالأعشاب، واللَّسْع بالنحل، وادعاء علاج كل الأمراض بما في ذلك السرطان والأيدز، والكآبة والعجز الجنسي، وفك السحر وطرد الجن..و وحين تُحدُّث أعقلهم عن تاريخ الطب والقطائع التي قطعها، وكيف تطور الطب الحديث بفضل العلم، ستنعتُ بالعلماني وتبدأ حكاية التكفير.

أعرف الكثير من الدجالين الذين لم يدخلوا المدرسة قط، أو غادروا المدرسة باكرا، وقد أصبحوا بسبب الفراغ القانوني يمتلكون "عيادات طبية" لديهم "سكريتيرات" لاستقبال الضحايا وتنظيم أوقات العمل (النصب والاحتيال)، وقد راكموا ثروات ضخمة، وغير ملزمين بدفع الضرائب.. مع توفير أجواء تخديرية داخل هذه "الأوكار" من استغلال حقير للقرآن الكريم حيث القنوات القرآنية تظل مشتغلة حتى لا يتحدث الضحايا فيما بينهم ﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾ سورة الأعراف، الأية: 204، والاستعانة بروائح البخور من أجل إحكام السيطرة على الزبائن.

"البركة" هي شعار الدجالين.. الدجال يقدم نفسه على أنه شخص مبارك يمتلك كرامات عجائبية.. فلمسة يده بركة.. وبصاقه بركة.. وقراءته آيات قرآنية على ماء الصنبور ستمنحه بركة.. وتدليكه لرأس وأطراف المريض بركة.. ومن الرأس تبدأ رحلة الدجال وهو يختلي بمريضته حيث يتجول بين أطرافها ويغزو جغرافية جسدها..

فضائح الدجالين الذين يرتدون جلباب الرقاة كثيرة وتظل الفضائح الجنسية التي تنفجر بين الآونة والأخرى دليلا قاطعا على سيكولوجياتهم الإجرامية، وهم يستخدمون المقدس الديني لإشباع مدنساتهم الوضيعة.. ليست هناك حكاية أو ألف حكاية وحكاية، بل هي ظاهرة تشكل قاسما مشتركا كل الذين ينتحلون صفة "حامل السر المبارك" في علاج السذج والبسطاء، وهي ظاهرة تنوجد في كل الملل والنحل.. يكفي أن نقرأ قصة الدجال راسبوتين الذي دخل بلاط القيصر الروسي لعلاج ولي العهد بخداعه الديني.. وبعد ان حظي بثقة القيصر أصبح الآمر الناهي.. وانطلقت نزواته الجنسية التي أصبحت حديث العامة والخاصة..

ما أكثر الدجالين الذين يستسترون في لباس الفقهاء ورجال الدين والصالحين، ولا يكتفون باستنزاف ضحاياهم ماديا، ومنعهم من العلاج السليم باسغلال السمعة السيئة والأزمات البنيوية لمؤسسات الصحة الرسمية، مع تأجيج العامة ضد العلاج الطبي المُمَاْسس باعتباره وافدا من ديار الكفر والزندقة..


 

نورالدين برحيلة